في مقر الحزب الديموقراطي في واشنطن سيدتان منهمكتان بتوزيع منشورات دعائية لمرشح الرئاسة جون كيري وعلى كتف كل منهما شارة كبيرة كتب عليها "الصوت النسائي يصنع الفارق" و"الغلبة للصوت النسائي". على ناصية الشارع المقابل، شابتان توزعان أكياس حلوى وملصقات تدعو الى حماية الأسرة. السيدتان في عمر تجاوز عمر الديموقراطيات الأخريات، كما أن الشابتين سبقتا عمرهما في المطالبة بمبادئ الجمهوريين. فالأميركيات غالباً ما ينشأن في صباهن ليبيراليات ديموقراطيات، ويتحوّلن بعد الزواج محافظات جمهوريات. لكن الأمر يختلف عندما يتبيّن ان السيدتين عازبتان وان الشابتين تنتميان الى اليمين المسيحي. العازبة بالنسبة الى الديموقراطيين، مثل اليمين المسيحي بالنسبة الى الجمهوريين: مجموعة لم تنخرط في الحياة السياسية قبل أن تتفق مع بعض مبادئ احد الحزبين، مع فارق بسيط: المسيحيون المتشددون ينضوون تحت كنائسهم كجماعة، بينما العازبات أفراد. وبلغ فارق الأصوات بين المتزوجات والعازبات، أو ما اصبح يعرف ب"هوة الزواج"، ذروته في الانتخابات الحالية. فبحسب استطلاعات للرأي أعدّتها "يو اس اي توداي" و"سي ان ان" و"غالوب بولز" جاءت النسبة 38 في المئة، في حين لم تتجاوز "هوة الجندر" او الفارق بين الذكور والاناث نسبة 11 في المئة. ومن مجموع الأصوات النسائية حصل بوش على 45 في المئة، بينما نال كيري 50 في المئة. ومن المتزوجات 54 في المئة يؤيدن بوش في مقابل 41 في المئة لكيري. أما العازبات فأقنع بوش 35 في المئة منهن، وكيري 60 في المئة الاحصاءات من مركز غالوب بولز واجريت على عينة من خمسة آلاف و757 امرأة مسجلة في قوائم الانتخاب بين آذار مارس وآب اغسطس 2004. وهامش الخطأ 2 في المئة. للوهلة الاولى، قد يبدو الأمر اشبه بدعابة سخيفة، ولكن بالنظر الى اولويات الناخبة الأميركية يصبح هذا التحول مفهوماً، اذ تجد "هوة الزواج" جذورها في الحياة اليومية للمواطنة الأميركية ومشكلاتها واهتماماتها. فالمحافظات متزوجات في شكل عام، يحرصن على تطبيق قوانين حماية الأسرة كمنع الاجهاض، ومنع زواج مثليي الجنس. كما انهن اقتصادياً يعتمدن على مدخولين في اسرهن، بالتالي أقل قلقاً على تأمين متطلبات الحياة اليومية. أما الأمن القومي فيعنيهن في ما يتعلق بأولادهن الذين يصبحون جنوداً في مرحلة ما من حياتهم. لذلك فان الأمهات المتزوجات أكثر حماسة للجمهوريين، حتى من المتزوجات غير المنجبات. في المقابل، تعتبر غير المتزوجات أكثر تحرراً وليبيرالية، ويبدين تسامحاً تجاه قضايا الاجهاض وزواج المثليين. وجعلهن اتكالهن على أنفسهن معنيات أكثر وفي شكل مباشر بالسياسات التي تعتمدها الحكومة حيال الضمان الصحي وضمان الشيخوخة، والتقديمات الأخرى الاجتماعية. وتندرج ضمن اطار "العازبات" المطلقات والأرامل والأمهات العازبات اللواتي يبدين تمسكاً أشدّ بديموقراطيتهن من الأخريات. وليست "هوة الزواج" مفهوماً حديثاً في الانتخابات الاميركية. ففي 1984 كان الفارق 17 في المئة، وفي 1992 بلغت الهوة 21 في المئة، وفي 1996 نحو 29 في المئة. لكن النسبة التي لفتت الأنظار الى هذه الفئة من الناخبين، كانت في الانتخابات الأخيرة حين امتنعت 22 مليون عازبة عن التصويت، فارتفعت النسبة الى 32 في المئة!... بالتالي شكلت الأصوات النسائية لا سيما التي تمتنع عن التصويت، الفئة الأكبر من مجموع "الناخبين القابلين للاقناع" الذين تتنافس عليهم حملتا بوش وكيري. واستناداً الى هذه المعطيات، بدأ الجمهوريون يتوجهون الى المرأة المتزوجة العاملة التي تصوّت احياناً للديموقراطيين، عكس المرأة غير العاملة التي يضمنون تصويتها الى جانبهم. فمشروع المرونة في دوام العمل الذي اطلقه بوش، مخصص للمرأة التي تفضل قضاء وقت أطول في منزلها ومع أفراد اسرتها على علاوة الراتب. ويحاول الديموقراطيون اقناع العازبات بتسجيل اسمائهن في قوائم الناخبين، والتوجه الى صناديق الاقتراع في الثاني من تشرين الثاني نوفمبر المقبل. فهؤلاء وإن كنّ مؤيدات لسياسات الديموقراطيين، الا انهن نادراً ما يصوّتن. لذلك أطلقت اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي حملة "تيك فايف" أو "اقنع خمساً" من أجل جعل كل محازب يقنع خمس نساء عازبات لا ينتخبن بانتظام، بالتصويت لكيري. كذلك بدأ الديموقراطيون يغازلون المتزوجات اللواتي "يملن الى المحافظة ولكنهن لم يحسمن أمرهن بعد". فلم يكن مصادفة أن يرافق جون ادواردز خمس سيدات تربطهن صلة قرابة ببعض ضحايا 11 أيلول سبتمبر. وبالتزامن مع الحملتين الانتخابيتين، تحرص جمعيات نسائية محايدة على تثقيف الناخبة قبل الادلاء بصوتها. وحددت "رابطة النساء المنتخبات" خمس نصائح للناخبة من أبرزها: "في حال كان طابور الانتظار طويلاً، لا تغادري من دون أن تدلي بصوتك... فهو يصنع الفارق!".