يبلغ يوجي ياماموتو الستين من عمره هذه السنة. وهو أشهر المصممين اليابانيين على الاطلاق، وأولهم في غزو أوروبا والعالم بابتكاراته الخارجة عن المألوف. قبل عامين صدر له كتاب بين السيرة الذاتية والبوح عنوانه "اتكلم مع نفسي". يقول ياماموتو: "في بداية حياتي، لم أعرف سوى أمي. كانت أرملة فقدت زوجها، والدي، في الحرب العالمية الثانية. وكل ذكرياتي معها انها كانت تعمل وتعمل ليلاً ونهاراً، كما كانت دائماً على ارتحال وأنا أركض خلفها. من هنا، فإن المرأة المثالية بالنسبة إليّ هي المرأة المتحركة، علماً أنني سأصرخ وراءها "لا تذهبي! لا تذهبي" كما كنت أفعل. يقول ياماموتو إن رؤيته ظاهر والدته وهي على اهبة الرحيل، مرة بعد مرة، جعلته يصمم ابتكاراته انطلاقاً من الظهر. ويوضح: "اكتاف المرأة وتكوينها من الخلف دائرة مثيرة للغاية، ثم ان مؤخرة الثوب هي التي تشكّل مركزيته، فإذا كانت ضعيفة اصابه الهزال". والمعروف عن ياماموتو عداؤه المستحكم للنموذج الهوليوودي القائم على الشعر المنبوش والكعب العالي والماكياج الظاهر بقوة، فهو يعتبر ذلك كله "رهيباً"، ويقول: "أصاب بالغثيان حين أرى تلك النماذج التي تشبه الفزاعات". في الحقبتين المنصرمتين ركز ياماموتو على الاختلاف والانثوية الإنسانية، لا تلك التي تعرض وتسوّق للمفاتن الحسية، وهو لا يؤمن بوجود نواقص في جسم المرأة ينبغي للأزياء أن تغطيها، بل يرى جمالاً في كل شيء بما فيه "النواقص" نفسها. وفي هذا النطاق يقول ياماموتو: "اعتقد ان ما يسمى بالكمال شيء قبيح، ففي كل ما يفعله البشر، أحبّ رؤية آثار الجروح والفشل والفوضى والاختلال. وأنا أستطيع ملاحظة هذه الأمور في أعمال غيري، وهي الأعمال التي أحبها. فالكمال هو نوع من النظام، أو الهارمونية الشاملة... مما يعني افتعال الابداع بالقوة. إلا ان الإنسان الحر لا يشتهي ذلك. علماً أنني أرى نساء كثيرات لا يتقن الى الحرية، ويرتدين ملابس يغلب عليها التناسق المبالغ". أي امرأة في كعب عالٍ وماكياج ظاهر تبدو سخيفة في عينيّ ياماموتو. "عندما أصمم للنساء كعوباً خفيضة امنحهن أسلوباً آخر في السير والشعور والظهور"، يقول ويذكر الذين شاهدوا عرض 1981 في باريس ذهول النقاد أمام نساء ياماموتو المتلفعات بأقمشة سود، ظاهرة الثقوب، خالية تماماً من التناسق، وفي أرجلهن أحذية مسطحة تماماً على قدر كبير من "الريفية" في تصميمها. إذ ذاك لم يكن أمام المعلقين سوى اطلاق وصف "أناقة هيروشيما" على عرض ياماموتو، أما في اليابان فعرفت اللواتي ارتدين تلك الأزياء ب"الغربان". عام 1981 صوّر المخرج الألماني فيم فيندرز فيلماً تسجيلياً بعنوان "مفكرة المدن والملابس". وفيه يتحدث ياماموتو عن والده قائلاً: "كلما فكرت بأبي، اكتشفت ان الحرب لا تزال دائرة في اعطافي". وبما انه لم يعرف ذلك الأب الذي قتل في الحرب العالمية الثانية بقي الى جانب أمه الخياطة ودرس الحقوق أولاً ثم تصميم الأزياء في العاصمة طوكيو. ويقول عن حداثته: "حينما كان رفاقي يدعونني الى صيد السمك أو تسلق الجبال، كنت ميّالاً الى المراقبة أكثر من المشاركة. لم أكن أحب نفسي فهدوئي كان مملوءاً بالشكوك". بعد سنوات من العمل على هامش الصورة الواسعة لعالم الأزياء عرضت شركة "اديداس" للملابس الرياضية عام 2001 على ياماموتو تصميم أحذية خاصة للركض، بيع منها أكثر من 75 ألف حذاء حتى اليوم وبلغت ايراداتها السنوية أكثر من مئة مليون دولار. عن ذلك العقد "التجاري" يقول ياماموتو: "ها أنا في الستين، وما زلت مهتماً بلياقتي، جسمي لا يعمل بصورة ممتازة، لكن عليّ العودة الى جسمي كما أتخيله، عليّ أن أركض كي أستعيد لياقتي. في هذه الأثناء تراني لا أجد الأحذية المناسبة. انه أمر رهيب!". ولا ينكر ياماموتو ان تصاميمه نخبوية وأسعارها ليست في متناول الجميع. ويقول: "أحياناً يخيّل إليّ أنني كسول، فعلى الأزياء ان تكون أكثر دينامية وأكثر فرحاً وانتشاراً. عندما اعبر أمام الواجهات التي تعرض أعمال المصممين الرائجين، أرى أشياء متوهجة. أشياء صحيحة. وأحسّ بأنني خارجها وأحسّ أيضاً بأن هناك نقصاً في مكان ما". في مقدمة "اتكلم مع نفسي" يكتب الفيلسوف وأستاذ الأدب في جامعة اوساكا، كيوكازو واشيدا، ان تصاميم ياماموتو طالما اعتبرت خارج نطاق الرائج والمقبول والمتوقع، انها ملابس تجريدية تجد وظيفتها فقط حينما تُلبس أيّاً كان مرتديها". بعد كل عرض يشعر ياماموتو بفراغ، ويهيج به الحنين للعودة الى اليابان، علماً أنه يعيش بين باريسوطوكيو بحسب ضرورة العمل. ويقول: "عندما أعود الى طوكيو لا أشعر بأنني كنت مسافراً، وهكذا عندما أعود الى باريس، فأنا دائماً في المكان نفسه".