ليس يوجي ياماموتو أو "يوجي" كما يفضّل أن ينادى مصمّماً عاديّاً. لا يرتدي المشاهير العالميون أزياءه بل المهندسات والرّاقصات والممثّلات. لكنّ الرّجل صاحب شهرة عالميّة. أزياؤه متميّزة في كلّ شيء بدءاً من ألوانها التي تقتصر على اثنين لا ثالث لهما الأسود والأزرق الغامق. والأسود هو اللون الذي اشتهر منذ أن كرّسه لوناً وحيداً له عام 1981 حتى نشأت في اليابان جماعة من محبيه أطلقت على نفسها إسم "جماعة اللون الأسود". أمّا قصّاته فسمتها الأساسية الغرابة، وهي فضفاضة وواسعة في أغلب الأحيان. في مجموعته الحاليّة تعاون يوجي مع عملاقة التجهيزات الرياضية "أديداس" منسّقاً بين ملابسه وأحذيتها ومصمماً لها ملابس رياضية تحمل توقيعه. يكره يوجي الأزياء التي تفصّل أقسام الجسم، ويكره المرأة - اللعبة التي يحبّها الرّجل عادة، لكنّ النساء يعتبرنه الرّجل الأكثر إثارة ولديه الكثير من المعجبات، والمعروف عنه ايضاً أنّه يغنّي الروك مع إحدى الفرق، ويهوى قيادة السيارات السريعة ولديه ثلاثة أولاد من ثلاث نساء مختلفات. ولد يوجي ياماموتو عام 1943. "كانت طوكيو مدمّرة كلياً، ولم يكن لديّ سوى أمّي لأنّ والدي قتل أثناء الحرب. بالنسبة إلي لم تكن الحرب قد انتهت بعد، فقد كانت مندلعة في داخلي. قرّرت والدتي عدم الزواج ثانية وتكريس حياتها لي، وكان الأمر قاسياً بالنسبة إليها، عملت لكي تعيلني في مصنع للخياطة 16 ساعة يومياً، وطالما شعرت بأن الأمر ليس عادلاً بالنّسبة إليها". بفضل عملها وكدّها أدخلت الوالدة إبنها الى افضل الجامعات في طوكيو، "لكنّني بعد أن درست ودرست ودرست وجدت نفسي فارغا من كلّ شيء، لذا قرّرت أن أغادر الجامعة وأساعد والدتي في عملها، ما اغضبها وشكّل لها صدمة حقيقية، فهي كانت فخورة بأن ابنها الوحيد يدرس القانون ولا تريدني أن أقوم بالاعمال اليدويّة". والدة يوجي تبلغ الثمانين من عمرها اليوم وتعيش معه في طوكيو وهو متعلّق بها بطريقه غريبة كونها ساعدته كثيراً في مراحل حياته المختلفة. ويتجلى تأثيرها النابع من التقاليد اليابانية العريقة في القرارات الاساسية التي اتخذها يوجي خلال مسيرته الطويلة على خطوط قطارات الازياء مع ما يعني ذلك من معاناة ومصاعب يعرف الذين سلكوا تلك الطرق كم هي وعرة ومعقدة. بعدما ترك يوجي الجامعة إشترطت عليه والدته دراسة الخياطة على أصولها إن رغب في مساعدتها، وهذا ما حصل، فتسجّل في معهد طوكيو العريق للموضة "باكا مورا" وشارك في مباريات عدة ونال جوائز مالية، وقرر قبل عام من إنهائه الدراسة ان يتحوّل نهائياً الى تصميم الأزياء. طار الى باريس، لكن العاصمة الفرنسية أصابته بالإحباط كونه لا يتقن الفرنسية وعجز عن تعلمها، وبعد عام رجع الى طوكيو حيث عكف على مساعدة والدته. ثم قرر ان يصمّم ازياءه الخاصة. فكرته الأولى تمثلت في تصميم ملابس للرجال تلبسها النساء، إذ تأثّر كثيراً بالأفلام الفرنسية القديمة حيث ترتدي الممثلات ايضاً الملابس العسكرية. وقال: "وجدت هذا النوع من الأزياء مثيراً جداً، يحمي الجسم ويغطّيه ويثير حوله الأسئلة". سبعة اعوام متواصلة عمل خلالها يوجي على خطه الخاص في الموضة، ولتميزه دعي للعرض في باريس بالذّات. لكن أزياءه الفضفاضة الملائمة للنساء السمينات والمزدانة بالشارات العسكرية وذات الألوان القاتمة لم ترق للنقاد البتة، حتى أن معظم الحضور غادر في منتصف العرض. واتهمته الصحافة بأنّه يعرض من وحي هيروشيما. لكن في أواسط الثمانينات طارت شهرة يوجي فجأة الى العالم وصارت تصاميمه تلاقي الإستحسان. اليوم يعتبر يوجي أحد أهم المجددين في خطوط الموضة العالمية. حتى أنّ كثراً من المصممين يحسدونه كونه حافظ على خطّ صعب لم يسبقه إليه أحد ونجح في ترويجه عالمياً. يملك يوجي اليوم رقم أعمال يبلغ زهاء 85 مليون فرنك فرنسي، و7 محال عالمية وتمتد تصاميمه الى الأحذية والجزادين. وبعد ان بهت بريقه في بداية التسعينات عاد نجم يوجي ليسطع من جديد في عالم الموضة منذ عام 1997 عبر مجموعة إستوحاها من أزياء الخمسينات. يكره يوجي الماركات العالمية، لكنه لسخرية القدر تحول هو نفسه الى ماركة عالمية على غرار شانيل، وديور. شعار يوجي في الحياة هو الغرابة الدائمة والتميز، لذا استوحى في مجموعته الأخيرة مجموعته الأولى في باريس التي لم تلاق استحسان الجمهور الفرنسي، لكنّها تلاقي الآن استحسان العالم بأجمعه وخصوصاً شركة "أديداس". ولشدّة وثوقه بموهبته يردد يوجي في صوت عال: "أنا العب بأفكار "الهوت كوتور" هل تريدون "هوت كوتور" هذه هي "الهوت كوتور" التي أقدّمها إنّها ليست صعبة البتّة!". وتقبل على ازياء ياماموتو نساء الطبقة المخملية حول العالم ولكن بصورة مختلفة عما هو معروف لدى زبائن غيره من المصممين، فالتي ترتدي "ياماماتو" قلما تشرك معه احداً بل يصبح اسلوبها في الملبس مطابقاً ومتماهياً مع توقيع الياباني... الاسود.