تقترب الذبابة من وجه الصبي الجالس خلف طاولة للنقش على قطع الفخار أو الصابون. يرفع يده محاولا إبعادها عنه. "من لا يتابعون تعليمهم يضيعون ولا مستقبل لديهم"، يقول ملتفتاً نحو الكاميرا. الصبي لم يتجاوز العشر سنوات، لكنه يؤكد أن "من يخرجون للعمل لا يجنون إلا التعب". "الواعي احسن من القارئ، يقول صبي في مشهد آخر من الفيلم الذي أعدته وزارة الشؤون الاجتماعية عن "الشباب والمراهقة". في الفيلم التوثيقي يجيب مراهقون من دول عربية مختلفة عن أسئلة مثل: ما هو الحب، العلاقات الجنسية، البلوغ، الحوار مع الأهل، والجنس الآخر؟ الفيلم الذي عرض في إطار ورشة العمل التي أقامتها "جمعية تنظيم الأسرة"، بعنوان: "دور الشباب في التنمية" على مدى يومين الأسبوع الماضي في فندق "فونتانا" في الجنوب. سلّط الضوء على المراهقين أنفسهم، فتحدثوا عن آرائهم وقناعاهم، وإن كان الكثير منها مستمد من المحيط الاجتماعي ومن العادات والتقاليد. "طالما أنني احب الفتاة، فلن أؤذيها عبر إقامة علاقة جنسية معها قبل الزواج... لا يهمني ماذا يفعل الآخرون، المهم أنني لا أرضى بذلك"... "نحن فتيات مسلمات ونعيش في دولة مسلمة، أخلاقنا لا تسمح لنا بعمل الحرام..."، "الفتاة ضعيفة مقارنة بالشاب، هو أقوى منها"... كانت بعضاً من آراء المراهقين في شأن العلاقات الجنسية قبل الزواج. العلاقة مع الآخرين ومع الأهل، سؤال آخر طرحه الفيلم. تفاوتت الآراء تبعاً لجنس المراهق، حتى بات المشهد صورة حية للمجتمعات العربية، حيث يحظى الشاب بحرية اكثر من الفتاة، تحت سقف البيت الواحد. "في السابق كانت نظرتي إلى الناس مختلفة، اليوم بدأت أرى الأشياء من منظار آخر"، يقول المراهق نافياً وجود خلافات مع الأهل في خصوص مواضيع عامة كالسهر، والغياب عن المنزل لفترات طويلة. الفتيات في الفيلم أبدين انزعاجاً من معاملة أهلهن لهن، من دون أن يذكرن الأسباب التي أدت إلى ذلك. "في المنزل لا يسمح لي بإبداء رأيي حول أي أمر من الأمور... لا يسمحون لي بالكلام، وإذا أبديت رأيي في أمر، أتبهدل"...، "البنت لا تخرج من المنزل، البنت تقعد في البيت"...، "في شوية مشاكل بيني وبين أهلي"... "رأيي، ليس لي رأي"، بعضاً من الإجابات التي تسمعها في الفيلم وقد تسمعها عند لقائك الفتيات في المدارس أو المنازل. لا تقتصر قضية تنظيم الأسرة على عدد المواليد وحد النسل في منطقة معينة. ففي لبنان، يقترب حجم الأسرة من الحد المعروف في الدول المتقدمة، كما تنخفض معدلات الإجهاض نظراً إلى وجود موانع حمل كثيرة، إلا أن ذلك لم يمنع الجمعية من تنظيم النشاطات الدورية للمساهمة في تنمية المجتمع والتفاعل مع أفراده. وهذا ما دفع رئيس الجمعية توفيق عسيران إلى دعوة 20 إعلامياً وإعلامية من مؤسسات مرئية ومكتوبة ومسموعة، إلى المشاركة في الورشة داعياً إلى "تسخير الإمكانات الهائلة لوسائل الإعلام في نشر المعلومات التقنية وإنشاء آليات للمعلومات في كل بلد وتعزيز الشبكات واطلاق حملات تثقيف تهدف إلى زيادة الوعي". وتطرقت الورشة إلى جانب موضوعها الأساسي موضوع "الجنس" الذي يبدي المجتمع العربي تحفظاً كبيراً تجاه تناوله، في خلط بينه وبين الممارسة الجنسية. واعتبر عسيران أن "خوف" المجتمعات العربية من مصطلح "جنس" هو الذي دفع الدولة اللبنانية إلى الاعتراض على فصل يحمل عنوان "التربية الجنسية" في "الكتاب المرجعي في التربية السكانية" للدكتورة مي جبران، فقط بسبب التسمية، ما اضطر المعنيين إلى استبدال العنوان بآخر. كما تحدث الباحث الاجتماعي أديب نعمة عن "موقع الشباب ودورهم في العملية التنموية". واعتبر أن مفهوم التنمية انطلق من دول العالم الثالث في خمسينات القرن العشرين، بدافع الخروج من حال التخلف والتبعية للاستعمار، مشيراً إلى أن "التنمية هي عملية نضالية مثل أي عملية تحويل دائمة للفرد والمجتمع نحو أهداف افضل". وأضاف نعمة أن "أميركا التي تعتبر اليوم أقوى دولة في العالم ما زالت تعاني من نقص في التنمية، حيث ترتفع معدلات الفقر فيها إلى 13 في المئة والأمية إلى 19 في المئة. وتركزت محاضرة الدكتورة منى فياض حول "صحة المراهقين والشباب". وطالبت بإدخال "التربية الجنسية في المناهج التربوية كضرورة علمية وتثقيفية، وكونها تشكل حماية أكيدة للفتيات والفتيان تجاه أنواع العنف الجنسي الذي قد يتعرضون له". كما أشارت إلى العلاقة بين الصحة الذهنية للمراهق ومفهوم التنمية. وناقشت موضوع هجرة الفتيات الذي يشكل ظاهرة ملحوظة في لبنان. وناقش المشاركون إمكانات وأشكال تناول القضية "محور الاهتمام" في وسائل الإعلام، مع عضو اللجنة الاعلامية في الجمعية الأستاذ في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور احمد زين الدين. ووضع الإعلاميون عناوين عريضة لمواضيع تنموية في الفترة المقبلة. وكانت رئيسة لجنة الإعلام في الجمعية الدكتورة نهوند القادري تحدثت عن دور الإعلام في عملية التنمية، معتبرة أن "الإعلام ليس مجرد وسيلة لالقاء الضوء أو للإشهار والظهور، إنما أيضاً هو شريك في العمل الاجتماعي ومعني قبل غيره بقضايا الناس، لذلك أرادت جمعية تنظيم الأسرة، انطلاقاً من هذه الورشة، أن نتشارك مع الإعلاميين والشباب منهم تحديداً في صوغ رؤية جديدة في العمل الإعلامي التنموي رؤية تبتعد عن لغة الشكوى والإثارة واستغلال مآسي الناس لكسب سبق صحافي ما والتغافل عن الأسباب والمسببين".