تتغير حسابات الأسرة اليمنية في رمضان تماشياً مع عادات متوارثة تصاحب الشهر فقط. وتتأهب الأسرة لتجهيز المواد الغذائية والمستلزمات الخاصة بالشهر، فتبدأ بشراء ما يلزم من حبوب وبهارات ومكسرات وحلويات ومشروبات. وفي النصف الثاني من شهر شعبان، تكثر المعارض التجارية ويتم عرض كل الاحتياجات الرمضانية من مواد غذائية وغيرها من مستلزمات الصيام. وعلى رغم الأسعار المرتفعة التي تتصاعد تدريجياً، إلا يفضل اليمنيون هذه المعارض على سواها ذلك انها توفر لهم كل ما يحتاجونه تحت سقف واحد. وتقول فاطمة: "بدلاً من البحث عن كل غرض في مكان معين، توفر لنا هذه المعارض كل ما نحتاجه في مكان واحد، موفّرة علينا الجهد والوقت". وعن أسعار تلك السلع وملائمتها للأسرة اليمنية، تقول: "الأسعار نار وكل ما في الجيب طار! إذا سألت أي واحد هنا في المعرض فستجد الاجابة نفسها. فمع قرب شهر رمضان، ترتفع الأسعار. ومع زيادة العرض، يزداد الطلب وتزيد الأسعار. وهناك الكثير من المتطلبات لا نستطيع شراءها نتيجة ارتفاع الأسعار". ويمارس اليمنيون الكثير من العادات المتوارثة أو المبتكرة بخاصة العاب الأطفال. ويقول الحاج سعيد النصير 57 عاماً: "عرفنا هذه العادة منذ الصغر وكنا نسمع آباءنا يتحدثون عن اليوم الاخير من شهر شعبان الذي يخصصه اليمني للأكل في فترات متقاربة. ويأكل أصنافاً متنوعة باعتبار ان رمضان للصوم ويتم فيه التقليل من الوجبات. وكنا نعتقد ان الأكل في ذلك اليوم يعوض عن الجوع الذي سنلاقيه في رمضان ويعطينا طاقة تعوضنا عن نقص الوجبات فيه. وقد يصرف الشخص الواحد 1000 الى 3000 ريال في مقابل شراء أكل يحتوي على اللحوم والخضروات والفواكه وطبعاً لا يخلو من القات الفاخر. وعلى سبيل المثال، هناك أسر لا تأكل الدجاج إلا مرة في الشهر أو في السنة. وتعتبر اليوم الأخير من شعبان فرصة لشراء الدجاج او لحم الضأن وتحقيق ما تشتهيه النفس، ولذا سمي "يا نفس ما تشتهي". ويكمل النصيري الحديث قائلاً: "هذه عادة غير صحيحة وغير صحية، وقد يأكل الإنسان في رمضان أكثر مما يأكله في ذلك اليوم ولكنها عادة جاءت مع الزخم الروحي والوجداني لشهر رمضان ولقيت قاعدة شعبية كبيرة لدى الناس صدقتها وآمنت بها". ويجافي اليمنيون في اليوم الأخير من شعبان النوم بمجرد سماعهم أخبار ثبوت هلال شهر رمضان. عندها، يسهرون حتى الفجر ويتناولون طعام السحور ويقيمون مجالس القات حتى وقت متأخر من الليل. ثم يذهبون إلى منازلهم أو إلى المساجد. أما النساء فيقضين معظم الليل في التجهيز لليوم الأول من رمضان فيما يخرج الأطفال الى الشوارع للعب ولا يعودون إلا في وقت متأخر من الليل للنوم حتى يوقظهم آباؤهم عند الفجر. ومن العادات الجميلة انه بمجرد إعلان ثبوت هلال شهر رمضان، تنطلق مآذن المساجد بالأدعية والأناشيد والتسابيح وتلاوة القرآن الكريم. ومن العادات أيضاً ما يقوم به الأطفال من إحراق لإطارات السيارات التالفة والتي يحضرونها من ورش إصلاح السيارات يتحلقون ويلعبون حولها. كما قد تقوم النساء بتجهيز القليل من الرماد والفحم ووضعه على حافات سطوح المنازل وإشعال النار فيها ما يضفي منظراً جمالياً في الليل. بعد مجلس قات مسائي استمر لأكثر من ست ساعات وبعد سهر دام حتى موعد تناول طعام السحور والقيام لصلاة الفجر، يعود اليمنيون من مساجدهم منهكين، فيذهبون إلى النوم. ثم يستيقظون عادة عند بداية الدوام الرسمي في رمضان اي في الساعة الحادية عشرة صباحاً والذي ينتهي عند الثالثة عصراً. أما غير الموظفين فنومهم قد يستمر إلى ما بعد صلاة العصر. ويكون اليوم الأول ذا طابع خاص روحياً ومعنوياً، فالحياة تتغير في شكل شبه كامل وأول تلك المتغيرات يكون في النوم. عند الساعة الواحدة تدخل المرأة اليمنية المطبخ لإعداد وجبة الإفطار والعشاء. تقول سعاد: "تبدأ المرأة اليمنية تعد لشهر رمضان منذ وقت مبكر، فيما يترك الرجل لها كامل الحرية في هذا الإعداد. ويكتفي الرجل بشراء الحاجيات أو دفع المال لتقوم المرأة هي بالشراء وتبدأ بأعداد قائمة الاحتياجات وتكثر من شراء التوابل والبهارات التي يكثر استعمالها على المائدة الرمضانية اليمنية. وتكون المائدة كاملة من كل أنواع الوجبات الشعبية والحلويات والعصائر وقد تمتد هذه المائدة لتصل إلى الجيران والأهل بخاصة في الليلة الأولى من رمضان ليتذوقوا ما صنعته ربه البيت. وعن أهم الوجبات الرمضانية التي تقوم الأسرة بأعدادها تضيف سعاد: "المرأة اليمنية تتفنن في تزيين مائدة الإفطار الرمضانية بالمأكولات الشهية المختلفة السلته - الرز - السمك المشوي أو المطبوخ - الزقني - المعكرونه والشعيرية - الشفوت - الفتة - العصيدة - الحلبة الحامضة - الشوربة وبعدها تقدم الحلويات مثل التمر والطحينية والرواني والبسبوسة والهريسة والشعوبيات والجيلي والكنافة والمحلبية والكريم كرمل ثم تقدم المشروبات مثل شراب التوت أو قمر الدين أو الكركديه أو الليمون أو البرتقال، وطبعاً لا تقدم كل هذه الأصناف مرة واحدة إنما الأمر يرجع إلى ربة البيت لتقدم لأسرتها ما تشاء وتقدم كل يوم صنفاً مختلفاً عن اليوم الذي سبقه وهكذا، وقد تلعب مسألة اختلاف المناطق دوراً في اختلاف المائدة الرمضانية وتنوعها".