بين وجهين عندما قرأ سيرة آرثر شليسينغر الذاتية وجد فكرة روايته الواحدة والعشرين. في 1940 فكر الجناح اليميني في الحزب الجمهوري بترشيح تشارلز ليندبرغ ضد الرئيس فرانكلين رزوفلت. كان ليندبرغ بطلاً قومياً منذ عبر الأطلسي بطائرته في 1927، لكنه كان ايضاً لاسامياً وصديقاً لهتلر. في روايته الأخيرة "المؤامرة على اميركا" التي ستصدر بعد ايام عن دار جوناثان كيب يتساءل فيليب روث: "ماذا لو؟" ويتخيل تأثير انتخاب ليندبرغ على يهود اميركا. الراوي روث عندما كان طفلاً في التاسعة، والبطل - الضمير والد هرمان الموظف في شركة التأمين. إنه الرجل الطيب في الزمن الصعب الذي يشهد تشتيت اليهود واضطهادهم مجدداً ويسأل: "كيف يحدث هذا في اميركا؟ كيف يمكن لأشخاص مثل هؤلاء ان يحكموا بلادنا؟" الرواية اكثر اعمال فيليب روث صراحة سياسية، وتنتهي بهزيمة اليمين وعودة روزفلت والتاريخ كما نعرفه. لا تتطرق الى الإدارة الحالية لكن الكاتب الملحد يرى في المسيحية المولودة من جديد تظاهرة الجهلة بالثقافة. صحيح انه يتمنى ان يكون كاهناً كاثوليكياً لو اعطي ان يبدأ حياته مجدداً، لكنه متمسك بإلحاحه وعاجز عن الهرب من يهوديته. اتهم بالخلاعة وكراهية عرقه منذ روايته الأولى "الوداع، كولومبوس" التي نالت الجائزة الوطنية للكتاب في آخر الخمسينات. فصّل فيها الطرق التي ينفّس بها البطل الفتى عن رغباته، وتحول فجأة الى مخلوق جنسي عجيب منبوذ بين اهله. هاجمه الناس، وبصقوا عليه في الشارع، ففضل العزلة منذ ذلك الحين، وأخافته العلاقة التي لا يمكن التنبؤ بها بين الفن والحياة، والفرد والجماعة. رد ب"التخلي" التقليدية لكي يثبت انه جدير بالاحترام ورصين كسائر كتّاب الخمسينات لكنه ما لبث ان وصم بالعهر ثانية عندما اصدر "شكوى بورتنوي" في نهاية الستينات. عاد فيها الى الصدام القاسي الملون بالذنب بين الرغبات وصورة الأسرة المحترمة، وعكس تحرر تلك الحقبة لكن خلافه مع طائفته بدا نهائياً. انعزل في "بادو" مستوطنة الكتاب في نيويورك، واخترع شخصيتين يروي ويحتمي بهما. ناثان زاكرمان الذي يكره الضعف ولا يسامح احداً والبروفسور ديفيد كيبيش الذي يوزع حياته على عشقين: الكتب والنساء. تغيرت اولويات روث خلال عطلة في براغ اول السبعينات. شاهد الكتّاب الذين وضعهم النظام الشيوعي على اللائحة السوداء ينظفون النوافذ ويوقدون المراجل، وصدمه الفارق بين الكاتب في اميركا وزميله في اوروبا الشرقية. عاد الى بلاده ليتابع دروساً جامعية عن الأدب التشيخي وارتاد المطاعم التشيخية، وبدا له ان توزيع حياته بين منزله في كونكتيكت والجالية التشيخية انقذه من الشهرة العديمة الفائدة. عاد الى اميركا من بريطانيا بعينين جديدتين بعد فشل زواجه من الممثلة البريطانية كلير بلوم في 1994. طاف شوارع نيويورك يستكشفها ثانية ويشعر ان ثورة وقعت وطردت البريطانيين. رأى هؤلاء متصنعين وكره عدد المرات التي يقولون "شكراً" في المحلات. كان تخطى الستين لكنه وجد بداية جديدة مع اميركيته. كتب "النشيد الرعوي الأميركي" عن الإرهاب المحلي النابع من تطرف الستينات و"تزوجت شيوعية" عن خطر المكارثية على الديموقراطية وحياة الفرد و"اللطخة الإنسانية" عن الصواب السياسي والعرق والشيخوخة. لم يعد الكتّاب يتجاهلون الخارج، يقول، ويكتفون بالحدث النفسي كما فعلوا قبل اغتيال جون كينيدي. حرب فييتنام، ثورة الستينات الاجتماعية والردة الجمهورية المحافظة في الثمانينات والتسعينات جعلت الأفراد يشعرون ان اهم ما حدث لهم هو التغيير الجماعي من حريات وازدهار. التاريخ يفاجئ الحياة التي رتبها الأفراد لأنفسهم وكذلك العمر. يبدو كأنه يستعد للشيخوخة وإذلالها بالقليل من الطعام والشرب والنوم باكراً. يذهب الى قبر والديه في نيوجرزي ويبكيهما ويكلمهما ويمازحهما ثم يعود مرتاحاً الى منزله. حارب الموت بالجنس في فنه وحياته لكنه اليوم وحيد ويكره النساء. كلير بلوم وجدته قاسياً استغلالياً. اجبرها، قالت، على طرد ابنتها آنا من الممثل رود ستايغر من منزلها لأنه لم يحتملها. غازل صديقة آنا، وطالب بلوم بعد الطلاق بإعادة كل ما أهداها اياه ودفع ستين ألف جنيه استرليني عن 600 ساعة امضاها وهو يقرأ معها سيناريوات الأفلام. في الحادية والسبعين، والسنة المقبلة يكرّم بنشر اعماله الكاملة في "مكتبة اميركا" ليصبح ثالث اديب اميركي ينال هذه المكافأة في حياته. إلا اذا. الحرب، الحرب زارت توني موريسون ادنبرة، عاصمة اسكوتلندا، لتقرأ عن "حب" روايتها الأخيرة التي صدرت بالطبعة الشعبية عن دار "فينتج". نالت جائزة "بوليتزر" عن "محبوبة" التي تقتل فيها عبدة هاربة طفلتها لكي تجنبها مصيرها، لكنها تفضل "حب" التي تراها "كاملة" وأفضل اعمالها، وتتناول فيها خمس نساء يهجسن برجل واحد. في الثالثة والسبعين اليوم، وتبيع كتبها ملايين النسخ بفضل لونها جزئياً وظهور اعمالها المتكرر في "نادي الكتاب" في برنامج اوبرا وتفري التلفزيوني. تسابق الوقت لتكتب روايتها التاسعة، وتحاول الحفاظ على المكاسب البديهية اميركياً. اميركا تتراجع، نعم، وذلك مخيف. "المعارك التي اعتقدنا اننا ربحناها نخوضها مجدداً. نناضل لكي ننتخب ثانية، ونناضل لكي نتظاهر. هذه ازمة كبيرة نقف على حافة المنحدر فهل نسقط او نتراجع؟". موريسون "مشلولة، مذعورة وثائرة" منذ انتخابات عام 2000 التي اتت بجورج بوش رئيساً. الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي منح البلاد فرصة لتتحد، لكنها احتاجت الى ما يتصرف كشخص راشد ولم تجده. إذا ربح بوش ثانية، تقول، سينتقل الخوف الى مستوى اعلى. "الشك الشرس الذي يتعرض له العرب الأميركيون أليف الى درجة القرف لدى الأميركيين السود. الفارق ان لا حدود للشك اليوم اذ ان تبريره اكبر يقولون ان هؤلاء الناس يرتكبون اعمالاً ارهابية، لكن المشكلة ان العرب الأميركيين وغيرهم من العرب موجودون في العالم كله. إذاً يتضاعف الذعر مع من يفكرون على هذا النحو من ان يكون الأمر دائماً. انه السبب الدائم المطلق للحرب". افضل الأعمال الثقافية وفق موريسون سياسي، والوضع يتغلغل في الرواية والمسرح والسينما. تشعر به يتسلل الى عملها وتحاول ان تتدبره وتجد طريقها عبره. النسوية همّ كبير آخر. تتذكر برقة كيف كانت نساء الحي تساعدنها عندما كانت تعتني بولديها وحدها. عملت محررة في دار النشر "راندوم هاوس" بعد انفصالها عن زوجها، فاعتنت الجارات بطفليها في غيابها وأتين لها بالعشاء. كافحت النساء اكثر في الستينات والسبعينات لكنهن كن اسعد منهن اليوم. صدمتها الطريقة التي تعاملت بها العاملات في الثمانينات احداهن مع الأخرى، واليوم تحشر النساء انفسهن في الزاوية. اما ان يعطين الرجال سلطة فائقة، او يجرونه من كل سلطة ممكنة لكي يتحولوا الى نسخ عنهن إنما اشد ضعفاً. بعض طالباتها في جامعة برنستون يبعث على اليأس. لا يركّزن على العلاقات بل على الجنس وأجسادهن ولا سيما الصدور منها. إنه مرض التسليع في مجتمع الاستهلاك الذي تعزز بعد احداث ايلول سبتمبر عندما شجع الساسة المواطنين على الشراء لكي لا يركد الاقتصاد. شغلها الفقر في ماضيها اكثر من العنصرية مع ان البعض لا يزال يعتقد انها خادمة عند ارتيادها الأماكن الفارهة. كانت تكتب خلسة عند نوم طفليها، ولم تنشر اول رواياتها "العين الأكثر زرقة" إلا عندما اقتربت من الأربعين. الثراء لذيذ وألذ ما فيه الثراء الحديث الذي فتح بابها قبل حصولها على نوبل الأدب وغمرها بعدها. من له عينان بعد خمسين عاماً على صدور "العرب في التاريخ" يجمع برنارد لويس 51 مقالاً عن الشرق الأوسط في "من بابل الى المرشدين السياحيين" الصادر عن دار وايدنفلد ويدافع عن اميركا. رآه إدوارد سعيد اكاديمياً يزعم عمله انه بحث ليبرالي موضوعي لكنه في الواقع اقرب الى الدعاية ضد موضوع بحثه. يؤمن لويس ان دعم اميركا اسرائيل ليس سبباً رئيساً للعداء العربي للأولى. سبق صامويل هنتنغتون بعقود عندما قال في 1957 ان الأمر يتعدى الشكوى والخلاف الى صراع الحضارات. من المرشدين الروحيين للمحافظين الجدد الذين شجعوا الحرب على العراق، ورأوا ان الكراهية تنصب على القيم الأميركية لأنهم لا يستطيعون الإقرار بأن المشكلة تكمن في السياسة الأميركية. قال ان يهوديته منعته من العمل والعيش في البلاد العربية لكنها لم تعرقل إقامته في تركيا وإيران. لا يتساءل ما اذا كان هذا النقص ادى الى انحيازه، وهو منحاز، علماً ان البحث يقتضي مواكبة النظرية بالخبرة. في فصل "الدين والقتل في الشرق الأوسط" يذكر فقط الإرهاب والاغتيال في العالمين العربي والإسلامي. قدم هذا البحث في مركز اسحق رابين الذي اغتاله اسرائيلي، لكنه لا يجد سبباً لذكر عصابتي ارغون وشتيرن ومقتل وسيط الأممالمتحدة الكونت برنادوت على يد الأخيرة. يبلغ برنارد لويس حد القول ان اسم "فلسطين" استخدم قليلاً في الامبراطورية العربية ثم اختفى وأن صفة "فلسطيني" جديدة نسبياً. اتى ذلك في وقت زعم انصار اسرائيل ان كلمة "فلسطين" غير تاريخية وأنها اخترعت مع الصفة المشتقة منها بعد حرب 1967. في 1896 ذكر تيودور هرتزل ابو الصهيونية السياسية في مقدمة "دولة يهودية" ان فلسطين ارض محتملة لتنفيذ "الخطة". في شباط فبراير الماضي ذكرت "وول ستريت جورنال" ان لويس عمل مع ديك تشيني وريتشارد بيرل وأحمد الجلبي وغيرهم لتشجيع الإدارة على غزو العراق فور وقوع الهجوم في 11 ايلول سبتمبر. "نظرية لويس باتت فعلياً سياسة اميركية" قالت.