اخيراً قررت المفوضية الأوروبية الإفراج عن "نعم" مشروطة لمفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي، لكنها حذرت من ان ليس هناك ضمان لإنهاء هذه المفاوضات بنجاح يؤمن عضوية تركيا في الاتحاد الذي سيراقب سلوك انقرة الداخلي ويعد تقريراً دورياً كل ستة اشهر في هذا الشأن. وعلى رغم ان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان اعتبر تقرير المفوضية "متوازناً"، إلا ان حكومته اعترضت على فكرة إعداد "التقرير الدوري" معتبرة هذا الشرط اشبه بالزواج المهدد بالطلاق، خصوصاً ان بعض مواد تقرير المفوضية من شأنه ان يفتح باب النقاش واسعاً في تركيا حول تفسير هذه المواد، ومن ذلك الإشارة بوضوح الى اعتبار العلويين والأكراد اقليتين في تركيا. اضافة الى ان المسودة احتوت ايضاً على مادة في شأن تسوية ملف اسكندرون والمياه في سورية، وعلى رغم رفع هذه المادة من تقرير المفوضية بناء على تدخل انقرة، إلا ان هذا لا يعني ألاّ يفتح الاتحاد الأوروبي هذا الملف من جديد مستقبلاً. لا شك في ان الثقة بين الطرفين، تركيا والاتحاد الأوروبي، لا تزال ترزح تحت ضغط العامل النفسي، إذ لن يكون سهلاً على اوروبا ان تحتضن الأتراك بسهولة طالما هي تعيش حالتها النفسية الحالية التي لا تتقبل كل شيء إسلامياً في ضوء ظروف دولية تحمل الإسلام مسؤولية "الإرهاب الدولي"، وهو الموقف الذي اثبته الأوروبيون اخيراً في التهرب من المشاركة في لقاء وزراء خارجية الدول الأوروبية مع نظرائهم من الدول الإسلامية، وكان مقرراً له ان يكون في اسطنبول في الخامس من الشهر الجاري والذي كان سيبحث قضايا الحوار بين الحضارات والأديان والشعوب، وهو الحوار الذي يبدو ان اوروبا غير مهيأة له مثلما هي غير مهيأة في حوارها المستقبلي مع تركيا، لا سيما بعد التهديد الفرنسي باستعمال حق النقض ضد انضمام تركيا. وأمام هذا الارتباك طرح غراهام اي فولر نائب رئيس الاستخبارات الأميركية سابقاً السؤال الآتي: إذا كان الاتحاد الأوروبي قلقاً من "عسر الهضم الثقافي" عند قبول بلد إسلامي في صفوفه، فهل سيجد نموذجاً افضل من تركيا؟ وإذا عجز الاتحاد الأوروبي عن قبول تركيا الجديدة، فسيتبين لاحقاً ان ادعاءاته حول تمتعه بالتعددية الثقافية الحقيقية فارغة. يجب ان يقر الاتحاد الأوروبي ان ما تشهد تركيا من إصلاحات يزيل عقبات رئيسة امام بدء المفاوضات بين الجانبين، خصوصاً ان المفوضية الأوروبية رحبت باعتماد البرلمان التركي اصلاح قانون العقوبات تلبية للشروط التي حددها الاتحاد، واعتبر هذا التحرك للبرلمان بمثابة تغيير جذري لقانون العقوبات التركي الذي وضع قبل 78 سنة والمستوحى من التشريع الإيطالي في ظل نظام بنيتو موسوليني. ويدرك اردوغان جيداً ان هناك ملفات ومواضيعپسياسية مهمة تنتظره العام المقبل، خصوصاً بعدما جاء تقرير المفوضية "متوازناً". فهو يعرف ان مسائل مثل انتخابات نيابية مبكرة وانتخابات رئاسة الجمهورية وخفض النسب الانتخابية التي ستفتح الطريق امام احزاب وفئات سياسية اخرى لدخول البرلمان، كلها قضايا تطبخ على نار هادئة. وقد تكون هناك تصفية حسابات كثيرة مؤجلة تحمل الكثير من المفاجآت في الداخل التركي وفي موضوع العلاقات التركية - الأوروبية، ويعرف الجميع ان سياسات انقرة هي التي ستحدد مستقبل الحوار مع الاتحاد الأوروبي حيث لا تزال بعض الأوساط فيه تتحفظ عن اي حوار استراتيجي مع تركيا التي يرى فيها البعض الآخر من الأوروبيين الفرصة الثمينة لدعم الحوار الحضاري بين الغرب والشرق وبخاصة لما للتجربة الإسلامية المعتدلة الديموقراطية في انقرة من اهمية بالغة في مجمل الحسابات الحضارية بين شمال المتوسط وجنوبه. هذه الحسابات دفعت وستدفع العواصم الأوروبية بحكومتها الليبرالية او الاشتراكية الديموقراطية الى اعطاء الضوء الأصفر للأتراك الذين يعرف الجميع أنهم سينتظرون المزيد من الوقت من اجل الضوء الأخضر للسماح لهم بدخول الصالة الرئيسة للبيت الأوروبي الذي سيبقى منشغلاً على الأقل حتى العام 2015. وعلى الأتراك حتى ذلك التاريخ ألا يخطئوا في قيادة العربة التي سمح الأوروبيون لهم باستخدامها على الطريق الأوروبي، كما فعلوا عندما أثاروا زوبعة في فنجان من خلال الحديث عن تجريم الزنى الذي يعرف الجميع انه لم يكن على جدول اعمال الشارع التركي باستثناء بعض اوساط "العدالة والتنمية" الإسلامي. وفي كل الأحوال يجب التأكيد ان الغموض لا يزال يحيط بالجدول الزمني لمفاوضات انضمام تركيا، وفي نظر مفوض الشؤون الأوروبية غونتر فيرهوغن "فإن العربة اضحت على الطريق، لكن المفوضية ليست في وارد تحديد موعد". لكنه اشار الى خيارين ممكنين امام الاتحاد: اما ان تقرر القمة الأوروبية فتح الحوار من دون مهلة، اي في غضون اربعة الى ستة اشهر من التحضيرات النهائية، او ان تقترح الانتظار بعض الوقت من اجل فتح الحوار في نهاية 2005 او بداية 2006. ومن شأن هذا الخيار ان يساعد في إقرار اتفاقية الدستور الأوروبي في بلد مثل فرنسا، من اجل تجنب ان تؤدي حملة الاعتراض عليها الى تلويث الجو حول انضمام تركيا. * كاتب سوري.