استغرق الامر عامين من المفاوضات المضنية والاشتباكات بالايدي والانسحاب للعديد من الجلسات، قبل أن يتمكن قادة الفصائل وزعماء القبائل الصوماليون من اختيار رئيس لهم اول من أمس الاحد، لكن هذه المسألة تظل الجزء السهل من عملية استعادة السلم والاستقرار في هذا البلد الذي تمزقه الحرب الاهلية منذ 13 عاما. اذ تتصدر مسألة البقاء، على المستوى الشخصي أو السياسي، المشكلات الامنية التي تواجه الرئيس الجديد عبد الله يوسف عندما يعود من كينيا ليشكل أول حكومة وطنية منذ انهيار نظام سياد بري. ويشير محللون مطلعون على شؤون قادة الميليشيات الذين ما زالوا يسيطرون على البلد المنقسم الى أن أي عدد من المنافسين المستاءين من عدم الفوز بهذا المنصب يمكن أن يفسدوا محاولات يوسف بسط سيطرته في مقديشو التي تضم نحو 60 ألفا من الميليشيات. وكأن هذه المسألة ليست صعبة بما فيه الكفاية، اذ يرث يوسف أيضا دولة فاشلة مجردة من البنية الاساسية والاموال التي تحتاج اليها أي حكومة لمساعدتها في بدء اعادة بناء البلاد. وقال المحلل جبريل ابراهيم عبدول، متحدثا قبل اعلان فوز يوسف في دورة انتخابية ثالثة للبرلمان الموقت في كينيا: "ما من شك أن هناك معارضة. القضية تتعلق بحجم هذه المعارضة". وأضاف ان "أي زعيم جديد سيتعين عليه التفاوض مع قادة الفصائل قبل العودة الى الصومال. لابد أن تكون هناك بعض المصالحة". وكانت الانتخابات التي أجراها أعضاء البرلمان الذين اجتمعوا في نيروبي تتويجا لعامين من محادثات المصالحة التي كانت تهدف الى انهاء عقد من الفوضى. لكن كين منكاوس، وهو مستشار سياسي سابق في الاممالمتحدة لشؤون الصومال ويدرس العلوم السياسية في كلية ديفيدسون في ولاية نورث كارولاينا الاميركية، يقول ان التحدي الذي يواجه القيادة الجديدة سيكون ضمان الابقاء على وحدة الحكومة. ويضيف: "اذا كانت هناك عوامل خارجية... وحكومات اقليمية تشعر بالاستياء من اتجاه الحكومة... فان انهيار كل شيء لن يستغرق وقتا طويلا". وانحدرت البلاد الى الفوضى بعد اطاحة بري عام 1991 في الوقت الذي كانت تعاني فيه القبائل من ضغوط بسبب المجاعة والنزاعات القبلية، مما أدى الى اندلاع معارك. وسقط مئات الالاف من الضحايا منذ ذلك الحين بسبب المجاعة والمرض والعنف. وتضم البلاد حاليا اقليمين أعلن كل منهما استقلاله في الشمال ومجموعة غير مترابطة من المقاطعات المتناحرة في الجنوب. والوضع الأمني سيئ للغاية حتى أن يوسف والحكومة التي سيختارها قد لا تتمكن من العودة الى مقديشو قريبا. وقد يتعين عليهم اختيار عاصمة موقتة في بلدة ريفية أكثر هدوءا. وقال عبدول: "الميليشيات تمثل مشكلة كبيرة... ولكن هناك مشكلة أكبر وهي السيطرة على الاسلحة الثقيلة. لذلك فان أولوية الحكومة بمساعدة الاتحاد الافريقي ستكون حصر هذه الاسلحة والتخلص منها بالتشاور مع قادة الفصائل". وأدى ما اشتهر به الصومال في الوقت الحالي باعتباره مرتعا للميليشيات الى ردع الكثير من دول العالم الخارجي عن عرض تقديم أي مساعدة لاعادة الاعمار، رغم أن هذا الوضع قد يتغير بعد الانتخابات الاخيرة المنظمة نسبيا. وقال محمد علي فوم مبعوث الاتحاد الافريقي الخاص الى محادثات نيروبي: "لابد من تقديم كل الدعم اللازم للحكومة القادمة لضمان أنها ستساعد شعب الصومال. من الضروري أن يتم هذا... وأن يتم في الوقت الملائم". وتنظم السويد مؤتمرا في ستوكهولم في 29 الشهر الجاري، يبحث فيه مندوبون من الاتحاد الافريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي أفضل سبل دعم الحكومة الصومالية. ومن المتوقع أن يكون يوسف الذي كان أول طلب يصدر عنه كرئيس هو المساعدات الخارجية، راغبا في اجراء تعديلات سريعة ملحوظة لتحسين حياة أبناء الشعب الصومالي ليكتسب ثقتهم. ولكن ليس هناك وزارات عاملة للبدء في تقديم الخدمات العامة.