انعقد اخيراً في العاصمة الكينية نيروبي مؤتمر دولي لمناقشة سبل حل مشكلة الحرب المندلعة في الصومال منذ عشر سنوات وجاء انعقاد المؤتمر في ضوء اقتراحات الرئيس الجيبوتي عمر اسماعيل غيللي في هذا الشأن، ولمناقشة آلية تنفيذ هذه الاقتراحات التي تركز على تقليص دور قادة الميليشيات في اي مشروع للحل في مقابل فتح المجال امام منظمات المجتمع المدني، مثل الاعيان وزعماء القبائل ورجال الدين والمثقفين والمنظمات النسائية والنقابات المهنية وغيرهم، عند الشروع في اعداد مؤتمر للمصالحة الوطنية. حرص المشاركون في المؤتمر على الابتعاد عن وسائل الاعلام والعمل بصمت حتى ينضج مشروعهم، وكان من بين المشاركين ممثلون عن كل دول منظمة "السلطة الحكومية للتنمية ومكافحة الجفاف" ايغاد وتضم هذه المنظمة سبع دول هي السودان واريتريا واثيوبيا واوغندا وكينيا وجيبوتي الى جانب الصومال. كما شارك ممثلون عن كل من منظمة الوحدة الافريقية والاممالمتحدة والاتحاد الاوروبي والولاياتالمتحدة وليبيا ومصر واليمن وايطاليا. وعلى رغم التعتيم الاعلامي على المناقشات ونتائجها، علمت "الحياة" ان البحث استغرق جلسات عمل طويلة استندت الى تأييد المبادرة الجيبوتية عموماً، لكن بعض الدول أصرّت على تضمين هذه المبادرة تصورها الخاص بحل الازمة الصومالية. مصر اكدت في المؤتمر انها لن تقبل اي حل يعترف بتجزئة الصومال او تقسيمه في اي مرحلة من مراحل العملية السلمية، وأيّدت تشكيل حكومة مركزية موحدة في الصومال. وفي الاتجاه نفسه، شدد الاتحاد الاوروبي على اهمية بدء عملية المصالحة تمهيداً لتشكيل حكومات اقليمية قبل الشروع في تشكيل حكومة مركزية. ورأى ضرورة السعي، في الوقت نفسه، الى اجراء مصالحة سريعة بين القبائل المتحاربة. مندوب الولاياتالمتحدة قال بصراحة ان بلاده كانت تؤيد وجهة نظر مصر والاتحاد الاوروبي، وانها الآن تؤيد مشروع السلام الجيبوتي الذي يركز على عزل الميليشيات، لكنها في الوقت نفسه، طالبت جيبوتي عدم التسرع في مشروعها واعطاء مهلة زمنية كافية للتشاور مع هيئات المجتمع وقادة الميليشيات، وذلك لضمان نجاح المبادرة. والتقويم العام لمؤتمر نيروبي، حسب احد القريبين اليه، منح التأييد العام للمبادرة الجيبوتية. لكن السؤال الذي بقي من دون اجابة واضحة امام المعنيين هو كيف يمكن اعطاء دور اكبر لمنظمات المجتمع المدني؟ يوجد حالياً في داخل الصومال منظمات عدة تعمل في مجال السلام وتقدم بعض الخدمات الاجتماعية والتربوية، وبعضها يعمل في مجال حقوق الانسان مثل الجمعية التي يرأسها الدكتور اسماعيل جمعالة، و"منظمة كوكو للتحالف النسائي" و"جمعية المحامين" وجماعات الضغط "سوحانيو" بزعامة المهندس عبدالقادر علي ديرية وغيرهما من المنظمات والجمعيات. وينحصر دور هذه المنظمات في تقديم الخدمات الاجتماعية التعليمية وتوعية الشعب الى اهمية السلام والتحذير من استمرار الحرب وكيفية الوصول الى مصالحة وبناء حكومة صومالية مشتركة، ولأن هذه المنظمات غير مسلحة بقي صوتها غير مسموع على الرغم من دورها الفاعل. وتتلقى معظم هذه المنظمات الدعم المادي من المنظمات الدولية مثل الاممالمتحدة ومن بعض الدول المانحة للمساعدات كدولة هولندا ممثلة بمنظمة "نوفيب" وغيرها من المنظمات الانسانية. وذكر مصدر قريب الى الجمعيات المدنية ل"الحياة" ان الرئيس الجيبوتي غيللي طلب من هذه الجمعيات تقديم مشورة واقتراحات للوصول الى حل نهائي لأزمة بلدهم. واضاف المصدر نفسه ان هذه الجمعيات عرضت امام غيللي تقريراً مفصلاً يتضمن دعوة كل من زعماء الحرب بمفرده الى مؤتمر المصالحة الوطنية من دون السماح له باصطحاب اي شخص آخر معه، وان يشارك كمواطن صومالي عادي من دون اي لقب او مسؤولية. وفي حال رفض زعيم ما هذه الدعوة ومعارضته المؤتمر، يقترح التقرير اعلانه، دولياً، مجرم حرب تجوز ملاحقته دولياً. وهو الامر الذي لا يريده اي من زعماء الفصائل الصومالية مهما كانت قوة فصيله او قوة عشيرته. وفي الاطار نفسه، بدأت معظم القبائل في جنوبالصومال تستعد لاحتمال عقد مؤتمر المصالحة المتوقع في الشهور المقبلة في مكان لم يحدد حتى الآن وذلك باختيار مسؤولين سياسيين واجتماعيين كما هو الحال في قبيلة عير التي انتخبت الاسبوع الماضي في مقديشو مجلساً ادارياً سياسياً من 15 شخصاً بقيادة الدكتور محمد علسو الذي يعيش في الولاياتالمتحدة. ويضم المجلس في عضويته الجنرال محمد نور جلال. وكانت قبيلة سعد انتخبت من قبل مجلساً مماثلاً برئاسة محمد فارح جمعالة المستشار السابق للجنرال الراحل محمد فارح عيديد، واحمد دعالة حيف التاجر المعروف في مقديشو. واللافت ان هاتين القبيلتين فرعان من قبيلة هبر جدر التي ينتمي اليها كل من زعيمي الميليشيات عثمان عاتو وحسين عيديد. واجرى الرئيس غيللي ايضاً مشاورات مع رؤساء القبائل وعلماء الدين والساسة المنتخبين من القبائل لمزيد من بلورة مشروعه نحو الوفاق. لذلك يرى مراقبون ان مبادرة جيبوتي هي الاقرب الى النجاح والوصول الى حل موقت لمشكلة الصومال. لكن لا يمكن الجزم بذلك حتى الآن، لأن التجارب الكثيرة الماضية في هذا الشأن انتهت الى فشل ذريع. ويبقى انتظار مؤشرات ما الى امكان تميز هذه المبادرة عن غيرها وسبل توسيعها نحو ترسيخ الحل النهائي.