نجح أسامة بن لادن وحركة طالبان في إحكام الربط بين منطقتي الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية. واليوم، في زمن "الحرب على الإرهاب"، باتت أخبار الهند وباكستان وأفغانستان تبدو في الكثير منها أخباراً عربية. أو أنها، في هذا العصر المتمرّد على الجغرافيا، تبدو عربية عبر المرور بالمصفاة الأميركية، سياسةً وهواجس وإعلاماً. لكنْ فيما كان بن لادن يهدّد العرب بالويل والثبور من أحد كهوفه شبه القارية، كانت محاولات جدية تجري في شبه القارة للخروج من الكهوف. وقد يكون من السابق لأوانه الجزم بنجاح هذه المحاولات، وإن لم يكن سابقاً لأوانه لحظ وجهتها. - ففي أفغانستان أمكن التوصل إلى شرعة، أو دستور أوليّ، يوازن بين الجماعات والثقافات واللغات، كما بين الرئيس والأعيان وأمراء الحرب الكثيرين. هذا الجهد الذي شاركت فيه الولاياتالمتحدة والأمم المتحدة، يسير على حدّ السيف. إنه آية في توازنات بالغة الدقّة، وصولاً إلى مقايضات من نوع تحريم الخمر مقابل المساواة بين المرأة والرجل. - وأمكن، على هامش قمة بلدان آسيا الجنوبية، أن يلتقي الزعيمان الهندي أتال بيهاري فاجبايي والباكستاني الجنرال برويز مشرّف. العلاقات بين الدولتين النوويتين تاخمت الحرب غير مرّة، لا سيما منذ حشد البلدان مليون جندي على الحدود المشتركة بعد الهجوم الانتحاري على البرلمان الهندي قبل عامين ونيّف. بيد أن المناخ الذي أشاعه اللقاء يرشح بميل إلى احترام تعددية المنطقة انطلاقاً من بلديها الكبيرين، بالمعنى الذي أشاع فيه الدستور الأفغاني ميلاً إلى احترام تعددية البلد الواحد. وقد ذهب البعض أبعد وتكهّن ببداية حلّ للنزاع الكشميري المديد الذي كلّف 65 ألف قتيل حتى الآن. وبدوره، جاء شجب "حزب المجاهدين" وباقي القوى الراديكالية في كشمير لنتائج القمة، سبباً آخر للتفاؤل. أميركا تستفيد من التطورين إذا ما قُيّض لهما النماء؟ بالتأكيد. يصحّ هنا ما يصحّ في استفادة أميركا من انتهاء الحرب الأهلية السودانية. يكفي القول بأن نجاح النموذج الأفغاني الجديد، على صعوبات ذلك، نجاح لصنيعها. يكفي التذكير، كذلك، بأن الهنود والباكستانيين كان يستنزفهم نزاعهم حول كشمير فيما كانت واشنطن تخوض حربها في أفغانستان. شعوب تلك المنطقة تستفيد من التطورين إذا ما قُيّض لهما النماء؟ بالتأكيد أيضاً. حتى لو أمكن فقط التغلب على الحروب والمنازعات، في داخل أفغانستان أو بين الهند وباكستان، فهذا مكسب ضخم. المسائل الأخرى المتعلقة بالسياسة والأرض والثروة تأتي في مرحلة مقبلة. وهي، في كل الحالات، تستفيد من خلفية سلمية ومسترخية نسبياً بقدر ما تتضرر من خلفية دامية ومتوترة. لهذا يبدو خطر الطالبانية في شبه الجزيرة الهندية أقل من خطر البنلادنية في العالم العربي، أو بعضه. وربما إذا نجحت أفغانستان في خروجها من الكهف، وغطس العراق وغيره أكثر فأكثر في الكهف، باتت الاستعانة ممكنة بالنموذج الأفغاني بعيداً عن الشنفخة القومية. أما الذين تحمسوا لذاك التشبيه في وقت سابق فآخر من يحق لهم رفضه الآن!