عسل السلطة سريع العطب. سرعان ما يخالطه السم. قبل شهور فقط كان يقيم في القصر مع الأختام والأوسمة. بدت الأوضاع شبه طبيعية والمشكلات شبه عادية. العقوبات التي فرضت على بلاده إثر تسللها الى "النادي النووي" مرشحة للتراخي. والباكستاني العادي دغدغت "القنبلة" كبرياءه الوطنية. اعتبرها تغطية ذهبية لبلاد ولدت من حرب، من طلاق دموي بين الهندوس والمسلمين. العداء المزمن مع الهند تحت السيطرة. لا تخمد نار كشمير حتى الانطفاء لكنها لا تعد بحريق كبير. اما الجارة الأفغانية فإن وجودها في قبضة "طالبان" يضمن لباكستان "عمقها الاستراتيجي" ويحجّم الحضور الروسي والهندي والايراني على الرقعة الأفغانية. يبقى الداخل بمتاعبه القديمة: اقتصاد مريض بالديون والبطالة والفساد، وتعايش مريض بين الاثنيات والمذاهب. لكن تبعثر الطبقة السياسية المتهمة وولاء الجيش للرئيس الوافد من ثكناته يضمنان كبح الاحتجاجات ومعها الهدير الوافد من المدارس الدينية التي كلفت أصلاً انتاج الأصوليين وتصديرهم. كان برويز مشرف يستعد لاطفاء شمعته الثانية في الحكم. فجأة تحرك خط الزلازل. نقل اسامة بن لادن الحرب الى الأرض الأميركية. ارتدى جورج بوش بزة الجنرال ليعلن "من ليس معنا فهو ضدنا". وكان على مشرف ان يتجرع مرارات الخيارات. الانضمام الى أميركا مكلف والانزلاق الى المعسكر الآخر قاتل. اعتمد الخيار الأول. نظف الاستخبارات العسكرية من رعاة "طالبان" وانزل الهراوات الى الشارع. خسرت باكستان "عمقها الاستراتيجي" وبدت كأنها خانت "طالبان" وخذلت البشتون وقبلت على مضض رؤية ورثة مسعود يعودون الى كابول. خسرت باكستان خاصرتها الأفغانية لكنها ربحت صداقة القوة العظمى الوحيدة وحرمت الهند من استغلال الفرصة لابرام "الصفقة الكبرى". ذهب مشرف بعيداً. اغلق الجيش الباكستاني المنافذ وطارد "الأفغان العرب" وتعهد القبض على بن لادن وتسليمه إذا تسلل. تناسى الجنرال انه جاء الى السلطة لاحباط صفقة تضعف الخاصرة الطالبانية وضيوفها. الجرح الأفغاني قابل للعلاج. ضمانات أميركية ومساعدات ومراهم دولية وضمادات. لكن خط الزلازل تحرك مرة أخرى وعلى الجبهة الأشد خطورة. هاجم "طالبانيو" كشمير البرلمان الهندي في 13 كانون الأول ديسمبر. التوقيت قاتل فعلا. جرح المهاجمون كبرياء الهند كما جرح بن لادن كبرياء أميركا في 11 أيلول سبتمبر. استيقظ الهدير الآسيوي. تعزيزات وتهديدات فيما النار الأفغانية مشتعلة وواشنطن تنشر لوائح المتهمين بممارسة الارهاب. يعرف مشرف القصة. فعلى بطاقة هويته مكتوب انه من مواليد نيودلهي 1943. ويعرف ان عائلته فرت من هناك بعد أربع سنوات في موسم الولادة الباكستانية الدامية. ويذكر بالتأكيد ان أول وسام ناله كعسكري كان تقديراً لمشاركته في الحرب ضد الهند في 1965 وبسبب كشمير نفسها. يعرف مشرف القصة. يعرف ان افغانستان شيء وان كشمير شيء آخر. ان الخسارة في الأولى تعتبر انتكاسة وان الخسارة في الثانية تعتبر جرحاً في الكرامة الوطنية. ان التنكر ل"طالبان" تبرره "المصلحة العليا" اما التنكر للكشميريين فيسهل الاتهام ب"التخاذل" أو "التفريط" أو "الخيانة". لكنه يعرف أيضاً ان العالم تغير. وان بلاده ستكون وحيدة اذا ذهبت الى الحرب. وان عالم ما بعد 11 أيلول لا يقر "الارهاب العابر للحدود" ولا الحروب بالواسطة. وان لعبة الاستخبارات العسكرية الباكستانية باتت باهظة التكاليف. انها نهاية عام. انها نهاية عالم. "الجنرال" بوش يحرك الأساطيل والأقمار والقوات واعداً العالم بمطاردات طويلة متعددة المسارح. و"الجنرال" بن لادن في الكهف أو المخبأ يعد العالم بنهاية قريبة لأميركا. وعشية السنة الجديدة يقيم "الجنرال النزيه الصارم" في قصر الرئاسة الباكستانية مع الأوسمة والمخاوف. الذهاب الى الحرب مغامرة مجنونة. الانحناء أمام التهديدات الهندية انتحار شخصي مضمون. "الوسادة النووية" لا تكفي للطمأنينة. بكر السم في التسرب الى عسل السلطة. تبادلوا الضربات وتركوه وحيداً على خط الزلازل.