اعتبر "بنك الكويت الوطني" في تقريره الأسبوعي عن تحرك الأسواق العالمية، أمس الأحد، ان الانتعاش الاقتصادي في الولاياتالمتحدة ليس بالضرورة مؤشراً لرفع أسعار الفوائد قريباً، لافتاً إلى ان هذه الأسعار في الأمد الطويل ستتعرض أيضاً لضغط الأوضاع المالية التي تزداد سوءاً في القطاع العام الأميركي. وذكر التقرير ان تقدم اليورو القوي ما زال يجذب انتباه المستثمرين، مشيراً إلى ان البنك المركزي الأوروبي لم يهتم حتى الآن بهذا الارتفاع بشكل كبير. وأوضح ان اليورو كسب نحو 13 في المئة في قيمته ازاء الدولار منذ أيلول سبتمبر. استهل "معهد إدارة الانتاج" في الولاياتالمتحدة الأنباء الاقتصادية لسنة 2004 بأن أفاد أن مؤشره لمشتريات المديرين قفز الشهر الماضي إلى 66.2 من 62.8 في تشرين الثاني نوفمبر، وهو أعلى مستوى له خلال 20 عاماً. وكان على رأس هذا النمو طفرة حصلت في الطلبات الجديدة، ما يوحي بأن النشاط التصنيعي لا يزال يتسارع. ولا يقل الارتفاع الذي سجّله عنصر التوظيف في هذا المؤشر أهمية، إذ بلغ أربع نقاط ونصف نقطة، ما يدفعنا الى توقع تحسن في التوظيف في قطاع التصنيع في تقرير شهر كانون الأول ديسمبر، الأسبوع المقبل. وهذا الارتفاع هو أول ارتفاع منذ منتصف عام 2000. وقد انتعش الاقتصاد الأميركي في 2003 بسبب سياسة أسعار الفائدة المنخفضة التي اعتمدها مجلس الاحتياط الفيديرالي البنك المركزي الأميركي والتي دعمت الإنفاق الاستهلاكي، وكذلك بسبب الإنفاق الحكومي وخفض الضرائب اللذين كان لهما دور إيجابي. لكن أسعار الفائدة في الأمد الطويل ستتعرض لضغط الأوضاع المالية والتي تزداد سوءاً في القطاع العام الأميركي. وقد تصادف ارتفاع إنفاق قطاع الأعمال مع انخفاض الإنفاق الاستهلاكي والسوق الإسكانية. فقد انخفض بيع المساكن الجاهزة مثلاً بين شهري تشرين الأول اكتوبر وتشرين الثاني نوفمبر بنسبة 4.6 في المئة. ومن المحتمل حصول انخفاض آخر في الإنفاق الاستهلاكي، مع تلاشي الدفع الذي أمدته قروض الإسكان لهذا الإنفاق. وعلى رغم أن خفض الضرائب سيواصل دعم الإنفاق الاستهلاكي، إلا ان أثره قد يكون أقل وقعاً مما كان عليه عام 2003. وقد انخفضت ثقة المستهلك في كانون الأول، إذ انخفض مؤشر "مجلس المؤتمر" لثقة المستهلك من 92.5 الشهر الماضي إلى 91.3 حالياًَ عام 1985=100، ما يشير إلى ان ضعف سوق العمل لا يزال يُشكل عائقاً مهماً لا بد من تخطيه. لكن مؤشر التوقعات ارتفع من 100.1 إلى 102.9 وهو ما يفسره البعض بأنه إشارة إلى اقتصاد سوي في 2004. في المقابل، يُشار إلى أن الأسواق الآجلة باتت تتوقع رفع سعر الفائدة بنسبة 75 نقطة أساس في 2004. ومن الممكن جداً أن تكون الأسواق تتوقع الكثير من الاقتصاد مجدداً. ولا بد أن نتذكر أن توقعاً مماثلاً حصل في 2003، وثبت لاحقاً أن لا أساس له من الصحة على الإطلاق، وأن مجلس الاحتياط الفيديرالي، على خلاف ذلك، خفّض الأسعار بربع نقطة مجدداً العام الماضي. وعلى أي حال، فقد سعى مسؤولو مجلس الاحتياط جاهدين لأن يُعلِموا الأسواق بأنهم لم يعودوا يخشون الانكماش، لكنهم لن يسارعوا إلى رفع الأسعار. وبالفعل، فقد أشار البنك المركزي إلى أنه سيُبقي على سياسة نقدية متساهلة لفترة من الزمن، معتبراً أن النمو الذي يفوق المسار المتوقع لن يحض على رفع أسعار الفائدة. وحتى لو حصل ارتفاع في الأسعار لاحقاً السنة الجارية، فإن ذلك لن يشكل كارثة، لان الأسواق كانت تتوقع ذلك منذ بعض الوقت. أوروبا يورولاند ما زال تقدم اليورو القوي يجذب انتباه المستثمرين. ولا يختلف اثنان على أن المصدر الأساسي لقوة اليورو هو ضعف الدولار الذي تأذى من اتساع العجز في الميزان الجاري والعجز في الموازنة. ولم يهتم البنك المركزي الأوروبي حتى الآن بهذا الارتفاع بشكل كبير. لكن سرعة هذا الارتفاع استدرجت بعض التعليقات في نهاية الأمر. وقد كسب اليورو نحو 13 في المئة في قيمته مقابل الدولار منذ أيلول. وتشير التقديرات إلى أن ارتفاع قيمة اليورو الحقيقية بنسبة 10 في المئة قد يقطع نحو نصف نقطة مئوية من النمو الاقتصادي الأوروبي خلال العامين المقبلين. وصرح مسؤول رفيع المستوى في البنك المركزي الأوروبي أن ارتفاع اليورو أخيراً كان كبيراً نسبياً، ما يؤشر إلى تنامي شعور عدم الارتياح لدى صناع السياسة النقدية. وكان الفائض في الميزان التجاري الألماني زاد بنسبة 2 في المئة، ليصل إلى مستوى قياسي مقداره 135 بليون يورو في 2003، فيما حلّقت الصادرات على رغم ارتفاع اليورو، بمقدار 20 في المئة في 2003. وكان الانتعاش الاقتصادي الألماني خلال الأعوام الثلاثة الماضية اعتمد كلياً على هذه الصادرات، فيما بقي الاقتصاد المحلي ضعيفاً. ولهذا السبب، فلا غرو إن زاد قلق صناع السياسة النقدية من المدى الذي ستستمر فيه الصادرات بالارتفاع في وجه ارتفاع اليورو. وتوسع القطاع الصناعي الألماني في كانون الأول ديسمبر للشهر الرابع على التوالي، وارتفعت الطلبات الجديدة وزاد الانتاج. كما ارتفع مؤشر مشتريات المديرين في هذا القطاع إلى 53 نقطة في كانون الأول من 51.1 في تشرين الثاني. ومع ذلك، استمر هذا القطاع في خسارة الوظائف على رغم النمو الإجمالي الحاصل فيه، حيث ارتفع مؤشر التوظيف التابع له إلى 48.5 من 46.7. لكنه بقي تحت مستوى ال50 الفاصل بين النمو والانقباض الاقتصادي. المملكة المتحدة ارتفع سعر الجنيه الإسترليني إلى أعلى مستوى له منذ 11 عاماً مقابل الدولار الأميركي. وفيما قد يُنسب بعض هذا الارتفاع إلى توعك العملة الأميركية، يجدر الانتباه إلى أن فارق أسعار الفوائد يعمل في مصلحة الجنيه، خصوصاً بعدما رفع "بنك إنكلترا" المركزي أسعار الفوائد إلى 3.75 في المئة من 3.5 في المئة في تشرين الثاني. وكان القطاع الصناعي البريطاني نما بأسرع وتيرة له منذ أربعة أعوام في كانون الأول، إذ ارتفع مؤشر مشتريات المديرين لهذا القطاع إلى 56 نقطة مقابل 54.7 في تشرين الثاني، متجاوزاً معدل ال50 الفاصل. فبعدما عانى القطاع الصناعي البريطاني خلال فترة التباطؤ الاقتصادي أكثر من غيره، سيجعل الانتعاش الحاصل في هذا القطاع الآن قرار "بنك إنكلترا" المركزي رفع أسعار الفوائد مرة أخرى السنة الجارية قراراً سهلاً. مع ذلك، فإنه من غير المتوقع ألا يتم تغيير أسعار الفوائد عند اجتماع البنك المركزي يوم الخميس. في هذه الأثناء، ارتفعت ثقة المستهلك بمقدار نقطة واحدة إلى -5 من -6 مستفيدةً من التحسن الحاصل في الإدراك العام للوضع الاقتصادي، وفي التقديرات الأفضل بالنسبة للأوضاع المالية الفردية خلال الشهور ال12 الماضية. كما ارتفعت أسعار المساكن بنسبة 1.5 في المئة في كانون الأول بالمقارنة مع الارتفاع بنسبة 1.2 في المئة في تشرين الثاني. اليابان كانت سنة 2003 أفضل بكثير من تمنيات معظم المحلّلين بالنسبة للاقتصاد الياباني. وعلى رغم أن توقعات الانتعاش العالمي ساعدت على هذا التحسن، إلا انه ينبغي أن نُعطي بعض النقاط لصالح القطاع الاقتصادي المحلي. فبعدما عانى الاقتصاد الياباني من الانكماش لسنوات طويلة، فإن أول بوادر حصول التضخم لا بد أن تُقابل بالبهجة. كما استمر التدفق الرأسمالي في اتجاه اليابان، وارتفعت سوق الأسهم، وبدأت نتائج البنوك اليابانية تدل على وجود الأرباح. وعلى رغم هذه التطورات الإيجابية، إلا ان المشاكل البنيوية، كالفائض في القدرة الإنتاجية والأخطاء في توزيع رأس المال لم تختف بعد. وتبقى المصارف معرضة بالنسبة لأسواق السندات التي بدأت تخسر من قيمتها بسرعة، ولا يزال عدد من المصارف معرضاً للإفلاس. كما أن تأميم هذه المصارف لا بد أن يزيد من مخاطر مالكي الأسهم. إن ارتفاع الين سيكون عامل تهديد آخر محتملاً للإنتعاش الاقتصادي. ولذلك فإن هناك بعض الأسباب لتجنب الحذر أيضاً.