لا يزال الاقتصاد الأميركي يبعث إشارات قوية الى انتعاش. وبعد ارتفاع اجمالي الناتج القومي القوي بنسبة 7.2 في المئة سنوياً في الربع الثالث، وهو أفضل نمو يشهده منذ ما يقارب عشرين عاماً، ارتفعت أرقام المعهد الإداري للإنتاج الصناعي من 53.7 في أيلول سبتمبر إلى 57 في تشرين الأول أكتوبر وهو أفضل قراءة له منذ كانون الثاني يناير 2000. وجاء في التقرير الاسبوعي ل"بنك الكويت الوطني" ان سبب هذه الارتفاع، في جزء كبير منه، يعود إلى ارتفاع الطلبات الجديدة مما يؤشر على أن المصنعين بدأوا الاستجابة لزيادة الطلب خلال الصيف. وعلى رغم أن مؤشر الوظائف أظهر قراءة مقدارها 47.7 أقل من مستوى ال50 الذي يعني وجود استقرار إلا أن مؤشر المعهد العام لمستوى التصنيع كان أفضل ما شاهدناه منذ فترة غير وجيزة، كما بين الاستفتاء المزيد من الدلائل على أن المصنعين الأميركيين سيسهمون في النمو الاقتصادي عن طريق إعادة بناء مخزونهم السلعي. وكانت وزارة التجارة الأميركية أعلنت أيضاً تحسن الإنفاق الصناعي الذي ارتفع بنسبة 1.3 في المئة في أيلول والذي كان أفضل بكثير مما كانت تتوقعه الأسواق. في هذه الأثناء كان هناك حدثان مهمان استحوذا على انتباه السوق هما أرقام البطالة الجمعة وخطاب رئيس بنك الاحتياط الفيديرالي المركزي الاميركي الان غرينسبان. وبعدما رفع مصرفان مركزيان أسعار الفائدة الأسبوع الماضي بريطانيا واستراليا أصبحت الأسواق أكثر تشوقاً لمعرفة ما ستؤول إليه أمور السياسة النقدية في الولاياتالمتحدة علماً أن أسواق العقود الآجلة تتوقع الآن أن يرتفع سعر فائدة الأموال الفيديرالية بمقدار 100 نقطة أساس إلى 2 في المئة في كانون الأول ديسمبر 2004. وتتباين هذه التوقعات، وهي مؤشرات على ارتفاع مخاوف التضخم، مع ما كان المحللون يخشون حصوله قبل شهور فقط وهو انخفاض الأسعار الذي كان مصدر تهديد لكل من أوروبا والولاياتالمتحدة. استقرار الاسعار إلا أن الأسواق تنفست الصعداء عندما أوضح غرينسبان أن بنك الاحتياط الفيديرالي سيأخذ وقته لحين رفع أسعار الفوائد ومع انخفاض نسبة التضخم حالياً إلى 1 في المئة فإن هدف استقرار الأسعار تم تحقيقه وبالتالي يمكن للسياسة النقدية أن تكون أكثر صبراً. تعويض فرص العمل ان أهم حدث في الأسبوع الماضي كان الجمعة عندما تبين أن عدد الزيادة في الوظائف غير الزراعية ارتفع بمقدار 126 الف وظيفة في تشرين الأول اكتوبر متقدماً للشهر الثالث على التوالي مما يدل على بداية انتعاش سوق العمل الأميركية. بالإضافة الى ذلك تمت مراجعة أرقام أيلول من زيادة 57 الف وظيفة سابقاً إلى زيادة 125 الف وظيفة حالياً، كما انخفض معدل البطالة بنسبة 0.1 في المئة إلى 6 في المئة متجاوزاً التوقعات. وأعلنت وزارة العمل أن أرباب العمل عوضوا منذ تموز يوليو حتى اليوم نصف عدد الوظائف ال510 الاف التي فقدتها في الشهور الستة السابقة. وبعدما كان الأسبوع الماضي حافلاً بالأخبار الجيدة هل يمكن أن نتوقع أسبوعاً جيداً آخر هذا الأسبوع ؟ قد يكون هناك مصدر قلق آخر للمحللين فعند توقع الأخبار الجيدة على الأخبار أن تكون أفضل مما هو متوقع لها لأن الأسواق عادة ما تأخذ في الحسبان هذه الأخبار. وعندما تأتي الأخبار الفعلية عند صدورها كما هو متوقع لها تبدأ الأسواق بجني أرباح المراكز السابقة وهذا ما حصل بالفعل بالنسبة للدولار الأميركي ولاسواق الأسهم بعد صدور أرقام البطالة الجمعة ومجمل العملية بالنهاية ليس توقع الأخبار فحسب بل توقع ردة فعل السوق لهذه الأخبار بشكل صحيح. اليورولاند تم نسيان أخبار موسكو والرئيس بوتين ويوكوس وميخائيل كودوركوفوسكي الأسبوع الماضي بالسرعة نفسها التي تم تركيز الأخبار عليها وركزت الأسواق المالية المعروفة بتقلباتها على الأمور الاقتصادية الأوروبية المحضة. وأظهرت أرقام التضخم الأوروبية أن معدل التضخم الأوروبي لا يزال فوق معدل السقف المستهدف بنسبة 2 في المئة من قبل البنك المركزي الأوروبي في تشرين الأول للشهر الثالث على التوالي بعدما أعلن مكتب الاتحاد الأوروبي للإحصاء يوروستات أن نسبة التضخم للدول الأوروبية اعضاء منطقة اليورو كانت 2.1 في المئة هذا الشهر، مما يخيب الآمال مرة أخرى. على صعيد آخر، أفادت المفوضية الأوروبية بارتفاع مؤشر مناخ الأعمال لأعلى مستوى له منذ عامين إذ ارتفع هذا المؤشر من 0.42- في آب اغسطس إلى 0.18 الشهر الماضي ومع ذلك يُظهر التقرير أن انتعاش منطقة اليورولاند لا يزال متخلفا عن مثيله الأميركي. لكن مع بقاء معدلات التضخم فوق ال2 في المئة ومع عدم تغيير لهجة مسؤولي البنك المركزي الأوروبي لم تكن هناك مفاجئة عندما أبقى البنك على أسعار الفائدة من دون تغيير الأسبوع الماضي. في هذه الأثناء بدا وكأن قطاع التصنيع الأوروبي تحسن في تشرين الأول وتجاوز مؤشر "رويترز" لمشتريات المديرين في أوروبا كل التوقعات بعدما ارتفع إلى 51.3 في تشرين الاول من 50.1 في أيلول، وهو أعلى قراءة له منذ تموز 2002 وفوق حاجز ال 50 الذي يفصل النمو عن الانكماش ما يعزز الأمل بمزيد من الانتعاش في الشهور المقبلة. كما تحسن قطاع الخدمات في هذا المؤشر الى اعلى مستوى منذ ثلاثة أعوام مرتفعاً من 53.6 في أيلول إلى 56 في تشرين الأول. والحقيقة أن هناك أسبابا عدة تجعل المراقب يعتقد بانتعاش الاقتصاد الأوروبي، وإذا ما استمرت معدلات التضخم فوق سقف ال 2 في المئة فإن فرص رفع أسعار الفائدة تبدو كبيرة في النصف الأول من السنة المقبلة. المملكة المتحدة وكان تحسن النشاط الصناعي البريطاني اخيراً أحد أسباب زيادة توقعات رفع سعر الفائدة الذي تم الخميس الماضي. وكان تأييد وزير الخزانة غوردن براون لمثل هذا الرفع دعم أيضاً من توقعات السوق هذه، إذ مع تحسن النمو بشكل عام وقوة الوضع المالي استطاع براون أن يعطي أفضل تقرير له للوضع الاقتصادي البريطاني منذ فترة من الزمن. وكان المستهلكون البريطانيون اقترضوا ما قيمته 10.7 بليون جنيه في أيلول ما يمثل 1.6 في المئة من إجمالي الناتج القومي. كما ارتفعت أسعار المنازل بنسبة 2 في المئة في تشرين الأول وهو أعلى ارتفاع لها منذ آب العام الماضي ما رفع معدل ارتفاع أسعار المساكن إلى 16.1 في المئة سنوياً. في هذه الأثناء أعلن اتحاد الصناعة البريطانية عن ارتفاع مبيعات التجزئة الى اعلى مستوى منذ عام كما أعلن مديرو المشتريات أن النشاط الصناعي كان الأعلى منذ 1996. وجاء كل هذا مع وجود معدلات تضخم أعلى من معدل ال 2.5 في المئة المستهدف، لهذا لم تفاجأ الأسواق برفع سعر الفائدة الخميس إلى 3.75 في المئة وهو الارتفاع الأول منذ شباط فبراير 2000، وهو مؤشر على نظرة "بنك إنكلترا" المركزي الذي يبدو أنه يحاول الحد من معدلات الاقتراض ويسعى إلى تخفيف التضخم الحاصل في سوق العقار وفي مستوى التضخم العام إلى المستوى المستهدف عند 2.5 في المئة. والملفت للنظر أن الأسواق فسرت البيان المصاحب لرفع أسعار الفائدة على أنه ليس بداية سلسلة من رفع سعر الفائدة. والمتوقع أن يتم التطرق لهذا الأمر وتحليله بالصحافة بشكل مكثف هذا الأسبوع كما أنه يتوقع أن يجذب تقديم محافظ "بنك إنكلترا" لتقرير التضخم المزمع إصداره الأربعاء الانتباه من المحللين أيضا. اليابان ارتفع المؤشر الطليعي الياباني إلى 80 نقطة في أيلول وهو أعلى من حاجز ال 50 للشهر الخامس على التوالي ويدل هذا الأمر على أن الاقتصاد الياباني لا يزال يواصل مسار التحسن بعد تعرضه لبعض الضعف نتيجة الأحوال الجوية السيئة في آب. وكان مؤشر الأسعار الاستهلاكية انخفض بنسبة 0.1 في المئة سنوياً فقط في أيلول وهو أقل بكثير من الانخفاض الذي شاهدناه العام الماضي، ومع ارتفاع أسعار بعض السلع اخيراً يعتقد البعض أن مؤشر الأسعار الاستهلاكية قد يكون ارتفع في تشرين الأول للمرة الأولى منذ 48 شهراً من الانخفاض المتتالي، وإن كان هذا الأمر صحيحاً فإن ذلك سيعطي النمو الوليد حالياً بعض الدفع ويرسم بسمة على وجوه محللي الاقتصاد الياباني.