بدأ خافتاً ، ممازحاً ولكنه سرعان ما تحوّل إلى مطلب... فقضية! إنه النقاش في عطلة الأبوّة التي يطالب بها الآباء الجدد كحق مكتسب بحكم تطوّر مهمات موقعهم الأبوي في الفترة الأخيرة. وساهمت إنقلابات كثيرة في تكريس التحوّلات في قلب العائلة وقالبها، إذ يترافق هذا الإنخراط الأبوي في التربية العائلية، مع إنخراط أكبر للأمهات في سوق العمل. فلم يعد الولد - بل الطفل خصوصاً - عائقاً في مسيرة المرأة المهنية. ولم تعد المرأة تدفع ثمن أمومتها، من دون أن تأتي ممارسة الأم لحقوقها كامرأة على حساب حقوق ولدها كطفل. وما كانت تلك المعادلة الجديدة لتنجح من دون تطوير وسائل علمية وعمليّة أعتقت الام فأطلقت المرأة، كالحليب المجفف على سبيل المثال. لسنا بوارد إستعراض التغييرات التي فرضها هذا المسحوق على الأم والطفل وتأثيراته الصحية والنفسيّة عليهما، غير أنه من دون أي شك سهّل على المرأة توفيقها بين واجباتها العائلية وعملها. كل ذلك لم يغن عن ذاك المشهد الوجودي الرائع الذي لطالما صوّره الفنانون بلوحات تعكس خشوعاً لا يخلو من الإغراء حين تهب الأم ولدها الغذاء بعدما أعطته الحياة. ولكن اليوم ما عاد تواجد الأم العاطفي مرتبطاً بتواجدها الغذائي الذي فرض عليها في ما مضى ملازمة طفلها شهوراً عدة جعلتها "موظفة ذات إحتياجات خاصة" لمجرد أنها أنثى. وناب الحليب المجفف عن حليب الأم وإن لم يحل مكانه كلياً - لحسن حظ المرأة والطفل - سامحاً للأم بالتغيّب والإنصراف إلى العمل. وترافق ذلك مع إنتشار دور الحضانة وثقافة متحررة أكثر باتجاه إستقلالية العلاقة بين الأم وطفلها. غير أن ذلك كله لم ينجح في تغيير نظرة بعض أرباب العمل في مجتمعات ذكورية بامتياز، تجاه المرأة العاملة بشكل عام والتي ما زال بعضهم يصرّ على اعتبارها موظفة من الدرجة الثانية. ما يدفع إلى التساؤل ما إذا كان الإصرار على خصوصية أمومة المرأة حجة يتوارى خلفها من يرفض الإعتراف بتفوّق العنصر النسائي في سوق العمل بعدما تعالت المرأة على خصوصيتها فارضة نفسها عاملة ذات كفاءة عالية وبدوام كامل. الوجه الثاني لتحرّر المرأة عكس تحرّر الأب ايضاً من تلك الثقافة الذكورية المتطرفة التي اقنعت الرجال بأنهم بتكوينهم غير صالحين لتولي مهمات تربية الأولاد. وسمح الحليب المجفف للرجال بتحدّي الطبيعة البشرية والتساوي مع المرأة. فلم يعد الأب محروماً من ارضاع ابنه ولو إصطناعياً!