كنت عرضت في هذه الزاوية قبل شهرين كتباً باللغة الانكليزية لا يزال أقربها الى قلبي لظرفه، على رغم جدية الموضوع، كتاب آل فرانكن "الأكاذيب والكذابون الذين يكذبونها". وإذا كان من القراء من لا يزال يذكر ما كتبت، فهو سيذكر كيف دمر فرانكن صدقية بيل اورايلي، صاحب برنامج "عامل، أو عنصر، أورايلي" عبر شبكة تلفزيون فوكس. لن أعود الى الموضوع، ولكن أزيد اليوم ان اورايلي رد بكتاب من عنده يتصدر قائمة أكثر الكتب مبيعاً في قائمة "نيويورك تايمز" هذه الأيام. وقد قرأت عرضاً سريعاً للكتاب "من يعتني بك" ووجدته كما توقعت، فالمؤلف اليميني الغوغائي يهاجم وسائل الإعلام التي بقي جزءاً منها زمناً طويلاً، والنظام القضائي والحكومة الفيديرالية نفسها، ويعتبر انها لا تخدم المواطن، ولا تعالج مشكلاته الحقيقية. بل انه يهاجم الآباء والأمهات الذين لا يربون أولادهم تربية دينية محافظة ومتطرفة كما يريد. هناك كتب أفضل في السوق، وعندي للقارئ اليوم، أربعة بالانكليزية، كل منها يستحق القراءة، ولكن بما ان المواضيع متشابهة، فهو اذا لم يجد الوقت الذي أجد لنفسي في الطائرات، وآخر الليل قبل النوم، فقد يكتفي بواحد أو اثنين لمن يفضل من كتاب. والتر لاكير لا يحتاج الى تعريف، وكتابه الأخير "لا نهاية للحرب: الارهاب في القرن الحادي والعشرين" يعكس معرفته الدقيقة بمنطقتنا والعالم، مع خبرة واسعة. لفتني في الكتاب فصل عنوانه "جهاد"، فقد أصبحت أجد اسمي حيث لا أريد أن يردد، إلا ان الموضوع يتجاوز اسمي الى حديث عن الجماعات الاسلامية التي يعرفها جيداً. وهو يتابع جهد الشيخ عبدالله عزام الذي اغتيل في أفغانستان، وفي ظروف لم تتضح تماماً بعد، ودعوته الشبان المسلمين الى الكفاح المسلح ضد الكفار وارساء الخلافة، أو حكم الله على الأرض. لاكير يقول "خليفة" والمقصود خلافة. وفي مكان آخر يفسر اسم أبو سياف فيقول انه "حامل السيف" مع ان الاسم ابو حامل السيف، أو عشماوي اذا شاء القارئ. هذه هنات هينات جداً، والكتاب يضم فصلاً ممتازاً عن العداء لأميركا، يشرح فيه المؤلف انه ليس وقفاً على الفلسطينيين وأنصارهم بل هو عام حول العالم. وهناك عنوان فرعي في آخر فصل هو "مستقبل جهاد"، وأرجو أن يكون مستقبلي سلمياً إن لم يكن زاهراً، إلا انني أكمل مع القارئ في ملحق من صفحات عدة في نهاية الكتاب يحاول فيه لاكير ان يطلع بتعريف للارهاب، ويعترف بصعوبة ذلك. فالارهابي في نظر شخص هو مقاتل في سبيل الحرية في نظر شخص آخر. وأكثر ما طلع به لاكير هو ملاحظة عامة عن الارهاب كان سجل مثلها قبل سنوات. طارق علي في مثل معرفة لاكير بموضوعه، وكتابه "بوش في بابل: إعادة استعمار العراق" يزدان غلافه بصورة طفل عراقي يبوِّل على جندي اميركي رابض تحته، ما يشرح موضوع الكتاب كله. لعل ما يميز طارق علي في عمله انه يتوكأ على مصادر عربية، بقدر ما يستعمل من مصادر غربية. وبقدر ما أعجب به مفكراً، فأنا أجد انه يفاجئني أحياناً بمادة عربية كاد يطويها النسيان. في كتابه هذا ينشر طارق علي ترجمات لنزار قباني الذي صرخ يوماً "أنا مع الإرهاب" وكتب "أطفال الحجارة". غير ان القصيدة المترجمة الأقرب الى واقع الحال اليوم هي "عرس بنات آوى" للشاعر العراقي سعدي يوسف التي أصبحت عنواناً لفصل في الكتاب. سعدي يوسف يذكِّر مظفر النواب بليالي الصيف في جنوبالعراق، وجَلَبة ذلك الحيوان في أيام التكاثر، ثم الهدوء بعد اخلائه الحقول. يقول الشاعر: يا مظفر النواب/ ماذا سوف تفعل يا رفيق العمر؟/ عرس بنات آوى أنت تعرفه قديماً/ نحن نجلس في المساء الرطب تحت سقيفة القصب... ويصرخ الشاعر في نهاية قصيدته: سوف أبصق في وجوه بنات آوى/ سوف أبصق في صحائفهم/ وأبصق في قوائمهم/ وأعلن اننا أهل العراق ودوحة النسب/ وأعلن اننا الأعلون تحت سقيفة القصب. ويختار طارق علي اجتماع مجلس الحكم العراقي في تموز يوليو الماضي فينشر صورة له بصفة "عرس بنات آوى". وأنشر لمفكرين ليبراليين يتراوحون بين اليسار والوسط، وان كنت أهمل كتب أقصى اليمين فالسبب الأول انني لا أتفق مع أصحابها في الرأي، والسبب الثاني انهم بحاجة الى من يرد عليهم، ويفند كذبهم الصفيق، لذلك اختار من الفريق الآخر. لا أفضل للقيام بهذه المهمة من نعوم تشومسكي الذي وصفته "نيويورك تايمز" مرة بأنه "أهم مفكر حي" وأيضاً بأنه "مفجّر المسلَّمات". وهو في كتابه الأخير "هيمنة أو بقاء: سعي أميركا للسيطرة على العالم" يدمر مسلَّمات الادارة الأميركية عن الإرهاب، ويدافع عن العمليات الفدائية الفلسطينية، بأفضل مما فعل أي كاتب عربي، ويدين في الوقت نفسه اسلوب الادارة الأميركية في اتهام كل من لا يرى رأيها بالإرهاب. وهو يتابع المسؤولين في الادارة عندما تعاملوا مع حكام ديكتاتوريين وشجعوهم، من سوهارتو وماركوس في الشرق الأقصى الى صدام حسين في منطقتنا، وتشاوتشيسكو في رومانيا. وكيف انقلبوا على هؤلاء الحكام انفسهم، وتذكروا حكمهم الديكتاتوري عندما ناسبهم ذلك. وأكمل بكتاب كلايد بيرستوفيتز "دولة مارقة"، بمعنى خارجة على القانون، فالعنوان وحده يشرح رأي الكاتب في بلاده. إلا انه لا يهاجم الادارة الأميركية هجوماً عشوائياً، فهو يؤكد ان مُثُل أميركا في الديموقراطية والحرية لا تزال مهمة للعالم أجمع، إلا أنه يدين أحادية القرار ومعارضة المؤسسات الدولية، وحكم القانون، والتصرف بفوقية وغطرسة وعنصرية. أقول في الختام انني اخترت كتباً للقراءة بسبب مواضيعها، وبين الكتب التي عرضتها اليوم ثلاثة كتبها يهود أميركيون لا يملك القارئ العربي إلا ان يعجب بمواقفهم العادلة المعتدلة. وبيرستوفيتز في فصل بعنوان "هز ذنب الكلب" يتحدث عن الانحياز الأميركي الى إسرائيل ونفوذ اللوبي في شكل لا يترك زيادة لمستزيد. كل ما أرجو من القارئ العربي عندما يضيق بالادارة الأميركية وأنصارها، خصوصاً من الليكوديين الشارونيين أصحاب الولاء الواحد لإسرائيل، ان يتذكر ان هناك يهوداً آخرين، أكثر عدداً ويمكن الاتفاق معهم بسهولة.