مجلتي المفضلة بالانكليزية ليست «تايم» أو «نيوزويك»، أو حتى «لايف» الراحلة وإنما هي منذ عشرين سنة أو نحوها «نيويورك ريفيو أوف بوكس» التي، كما يدل اسمها، تعنى بعرض الكتب، وتنشر معها مقالات لكبار المفكرين في الشرق والغرب. أرجو ألا أكون أضيّع وقت القارئ بالحديث عن مجلة ثقافية غربية، إلا أنني أعتقد بأنها تزيد على ثقافة القارئ المهتم لو قرأ بعضاً منها مترجماً الى العربية في المطبوعات العربية المماثلة، فعندنا أيضاً مجموعة راقية من مجلات الفكر والثقافة والأكاديميا، فقد فتحت عقلي على القراءة مجلة «المقتطف» في مكتبة جدّي وكانت توقفت عن الصدور قبل أن أتعلم القراءة، وبعدها «الهلال» و «روايات الهلال» و «كتاب الهلال» ثم «فصول»، مجلة النقد الأدبي المصرية والأقرب الى ما أنا في سبيله هنا. لماذا أكتب عن «نيويورك ريفيو أوف بوكس» اليوم وأنا أقرأها منذ أكثر من عقدين؟ بين يدي العدد الأخير من المجلة، وهو يحمل تاريخ 14-27 أيار (مايو) الجاري، وأجزم بأنه ليس أفضل عدد منذ 1963، أي سنة الصدور، إلا أنه جمع مادة أكثر مما أجد عادة في أعدادها الشهرية ونصف الشهرية، عن مواضيع تهمني شخصياً. كنت أشرت الى مقال في هذا العدد للسناتور ارلن سبكتر، الاعتذاري الإسرائيلي الذي خان حزبه الجمهوري وانتقل الى الحزب الديموقراطي وكتب عن سطو الرئاسة على السلطات، وهو الذي كان من أبرز مؤيدي الحرب على العراق التي استغلتها ادارة بوش لتجاوز السلطتين التشريعية والقضائية. لن أعلق على كل نقد أو مقال، وانما اختار نماذج، وأول عرض هو للكتاب «فشل الرأسمالية: أزمة 2008 والهبوط نحو الانكماش». من تأليف القاضي ريتشارد بوزنز ومراجعة روبرت سولوف الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد سنة 1987 وأستاذ الشرف في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. طبعاً ليس كل كتاب أو ناقد أو كاتب من مستوى أستاذ شرف أو فائز بجائزة نوبل أو قاضٍ في الاستئناف، إلا أنه يظل قريباً من هذا المستوى. كان هناك عرض لكتاب عنوانه «مكتبة هتلر الخاصة: الكتب التي صاغت حياته» من تأليف تيموثي رايباك ومراجعة المؤلف جون غروس. واعترف بأنني قرأت نقد الكتاب لسبب شخصي إضافي، هو خشيتي أن يكون فيه اشارة الى الحاج أمين الحسيني أو أي كتب ربما أهداها للزعيم النازي. لم تكن هناك اشارة، وكتاب رايباك يراجع الكتب المتوافرة للأميركيين من أصل 15 ألف كتاب في مكتبة هتلر استولى الروس على عشرة آلاف كتاب منها سنة 1945 ونقلوها الى موسكو ولم يفرجوا عن أي منها منذ ذلك الحين. ووجدت عرضاً لكتابين عن الآثار في العالم أحدهما كتبه هيو ايكين، وسأتجاوزه خشية أن يضيق المكان، مع ان الموضوع مهم جداً لأن ربع آثار العالم القديم في مصر وحدها، ولعل في البلدان العربية، من العراق الى ليبيا حوالى نصفها. غير أنني أسجل ان العدد ضم ست صفحات من الإعلانات عن كتب جديدة وكان أولها كتاب من تأليف عالم الآثار المصري المشهور زاهي حواس بعنوان «صور صامتة: النساء في مصر الفرعونية» حاول أن يرسم صورة للمرأة في مصر القديمة متوكئاً على آثار المعابد والرسوم والنصوص والتماثيل وغيرها. وقرأت عن ترجمة الى الإنكليزية لرواية نجيب محفوظ «السراب»، والمترجمة نانسي روبرتس. ولعل الوقت يسمح لي فأقرأ بعضاً من الكتب المعلن عنها مثل «الرئاسة المشتركة لبوش وتشيني» من تأليف شيرلي آن وارشو، مع ادراكي أن كتباً أخرى تستحق القراءة حتماً، وليس عندي الوقت لها، بل ليست عندي المساحة للإشارة اليها. وهكذا أختار عرضاً ومقالاً: - ايان بوروما يراجع كتابين هما «ما وراء الإرهاب والشهادة: مستقبل الشرق الأوسط» من تأليف جيل كيبل، وترجمه عن الفرنسية باسكال غزالة، و «الخوف من البرابرة: ما وراء صراع الحضارات» من تأليف تافيتان تودوروف بالفرنسية. ولا أحتاج الى تأكيد أهمية مثل هذه الكتب في الجدال الدائر بين أنصار الإسلام وأعدائه، والمفكرين الذين يحاولون أن يصلوا الى الحقيقة. - المقال حمل العنوان «اسرائيل: مدنيون ومقاتلون» وكتبه افيشاي مارغاليت، وهو أستاذ شرف للفلسفة في الجامعة العبرية في القدس ومايكل فالزر، وهو أستاذ شرف للعلوم الاجتماعية في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة يال. المقال يستحق ان يترجم حرفياً وينشر، ولعل «الحياة» تفعل، وأقول باختصار شديد ان الكاتبين يعارضان دراسة كتبها اسا كاشر وأموس يادين عن «الاغتيال ضمن اطار مقاتلة الإرهاب»، ويقولان انه في حين ان الكاتبين يقولان ان الدراسة تعبر عن رأيهما وليس بالضرورة رأي الجيش الإسرائيلي، فهناك أدلة كثيرة تثبت أنها أيضاً موقف الجيش الإسرائيلي وهما يركزان على تفنيد حديث كاشر ويادين عن «ما هي الأولوية التي يجب أن تعطى لتقليل الإصابات بين مقاتلي الدولة عندما يخوضون قتالاً... مع ارهابيين». رأيي في الإرهاب وأصحابه مسجل، إلا أنني أريد أن أختتم قائلاً انني قرأت «نيويورك ريفيو أوف بوكس» ورئيسة التحرير المشاركة بربارة ابستين التي توفيت سنة 2006 ورئيس التحرير الحالي هو روبرت سيلفرز وفي جهاز التحرير والمساهمين في كل عدد يهود كثيرون يعيدون اليَّ ثقتي بالنفس البشرية في مقابل أمثال ارلن سبكتر وجو ليبرمان، واختتم معتذراً من كتَّاب كثيرين في أعداد المجلة التي أحتفظ بها دائماً فهم يستحقون أن أسجل جهدهم، إلا ان المساحة المتاحة لا تسمح.