ليس من الغريب ان يصادفك في شوارع الجزائر شباب بجميع الوان الطيف، بعضهم يحرص على مواكبة آخر صيحات الموضة الباريسية والبريطانية والإيطالية فتجد نصف اجسادهم واجسادهن عارية تقليداً لنجمات هوليوود ونجومها، وبعضهم الآخر يختار البساطة التي تعكس انتماءهم الى طبقات متوسطة ومحافظة، وهم يشكلون غالبية المجتمع الجزائري. وعلى العكس تماماً، تفضل فئة اخرى من الشباب المتدينين السباحة عكس تيار الموضة، بارتدائهم القميص او الزي الافغاني وارتدائهن الحجاب واحياناً الجلباب والنقاب. هذا التنوع االواضح في ملبس الشباب الجزائري يعكس بما لا يدع مجالاً للشك، اختلاف التيارات داخل المجتمع الواحد، من المنفتحين على الطريقة الاوروبية، والمحافظين على الطريقة العربية والمتشددين الى حد التعصب. وإذا كان جميعهم مجبراً على العيش داخل رقعة جغرافية واحدة، فإن لكل منهم فضاءه الخاص ومحلاته المفضلة، ويظهر ذلك في المراكز التجارية التي يتحدد نوع زبائنها وفقاً للسلع المعروضة. سوق "علي ملاح" المعروف باسم "البازار" يعتبر من اشهر المراكز التجارية في الجزائر ليس فقط لوجوده في قلب العاصمة، لكن لأن محلاته المختلفة تتسابق مع الزمن لتقدم آخر صيحات الموضة الاوروبية. ويقول سليم صاحب محل ألبسة انه يحقق ارباحاً خيالية كلما جلب سلعاً جديدة من باريس، ويضيف: "ان سر نجاحي هو معرفتي الكبيرة بأذواق الشباب، لا سيما الذين تراوح اعمارهم بين 15 و25 عاماً، لأن غالبيتهم تتأثر بالموضة الفرنسية وتحرص على تقليد النجوم العالميين مثل جينيفر لوبيز وبريتني سبيرز بالنسبة للفتيات، ودافيد بيكهام بالنسبة الى الشباب". وتعترف سارة 22 عاماً بأنها تتاثر كثيراً بالنجمة اللاتينية شاكيرا، وتضيف: "اشتريت بنطلون جينز بثمن باهض بعد ان قال لي صاحب المحل ان شاكيرا تملك مثله. أعلم أن هذا جنون وهذا ما تقوله لي والدتي لكن ما عساني أفعل؟ فأنا أحب الموضة وأادفع ثمنها غالياً". وتتفق مع هذا الخيار ايمان 24 عاماً التي تقول ان نصف راتبها الشهري تتركه في محلات الألبسة. وتوضح: "من يحب مواكبة الموضة، عليه ان يتحمل أعباءها، فأنا مثلاً عندما أرتدي لباساً "شيك" تزداد ثقتي بنفسي وأشعر بالراحة". ويقول رضا 17 عاماً إنه لا يمكنه ارتداء لباس محلي الصنع أو لا يواكب الموضة، ويضيف: "بصراحة أنا لم اشتر لباساً أو حذاء محلي الصنع منذ أن بلغت سني الخامسة عشرة، لأنني ببساطة لا أجد ما يعجبني هنا، لا سيما إذا تعلق الأمر بالأحذية، فأنا اختارها ايطالية الصنع". أما شباب الطبقات المتوسطة والدنيا فاهتمامهم بالموضة تحدده عوامل عدة، واذا كان العامل المادي يلعب الدور الأهم، فإن المحيط العائلي والاجتماعي يقف بدوره وراء طريقة لباس أي شاب. ويظهر ذلك على شباب المدن الكبرى مثل العاصمة أو وهران وعنابة، وشباب المدن الداخلية مثل الجلفة او المسيلة. وتقول نعيمة الطالبة في كلية الاعلام انها غيرت طريقة لباسها منذ استقرارها في العاصمة خلال الدراسة بعد ان تركت مدينة ورقلة، جنوبي الجزائر. وتضيف نعيمة: "يحرص الشباب جميعهم على مواكبة الموضة، لكن لكل واحد طريقته الخاصة. فمثلاً هناك بعض المحجبات اللواتي يحاولن إثارة الإنتباه إليهن من خلال اختيار الألوان الزاهية، أو الإكثار من مساحيق التجميل. وأكثر من ذلك أصبحت كثيرات منهن يلبسن بنطلونات الجينز، ولا يجدن حرجاً في اظهار شعر مقدمة الرأس على عكس السنوات الماضية، عندما وصل التشدد إلى ذروته، الأمر الذي دفع بعدد كبير من الفتيات إلى ارتداء الحجاب". كريمة طالبة تبلغ من العمر 20 عاماً، تقول انها ارتدت الحجاب قبل 7 اعوام، أي عندما كانت البلاد تعيش دوامة العنف المتطرف. وكانت وجدت نفسها مجبرة تحت التهديد على ارتداء الحجاب الملتزم، وإلا كانت ستدفع الثمن غالياً قد يصل الى حد حياتها. وتضيف: "صحيح أنني مسلمة ولا أجد مشكلة في ارتداء الحجاب، لكنني آنذاك كنت أبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، وكنت أمارس الرياضة، وألعب مع أصدقائي في الحي، لذلك لم أتقبل بسهولة فكرة تغيير طريقة ملبسي. اما اليوم فتغيرت الأمور، وأصبح الحجاب بالنسبة الى مسألة خيار وليس اكراهاً، بدليل أنني ألبس كل ما أراه جميلاً في المحلات حتى إذا كان بنطلون جينز". أما بالنسبة الى الشباب الذكور، فان الامور قد تختلف نوعاً ما، لا سيما اذا تعلق الامر بالمتدينين المتشددين، او كما يتفق الجزائريون على تسميتهم ب"الخوانجية". وهذه الفئة من الشباب لا تعاني أي مشكلة في عملية اختيار اللباس، لأن القميص الابيض يكفي لقضاء العام بكامله ومن ضمنه الاعياد والمناسبات.