تمثل مشكلة قلة الأراضي الصناعية المهيأة لانشاء المصانع احدى اهم المشاكل التي تواجه الصناعييين السعوديين والتي دفعتهم الى توجيه استثماراتهم الى مجالات اخرى غير الصناعة، او الى الهجرة الى بلاد اخرى تقدم الكثير من التسهيلات التي يفتقدونها في السعودية. وعلى رغم ان عمر هذه المشكلة تجاوز عشرة أعوام، الا ان هيئة المدن الصناعية اعلنت ان الحل لن يكون قبل ثلاث سنوات وهي الفترة التي ستستغرقها الهيئة في تطوير نحو تسعة ملايين متر مربع تستوعب 700 مصنع. ولكن من سيتحمل كلفة تطوير هذه الاراضي، الصناعيون ام الدولة، التي عودت الصناعيين على تطوير المدن وتأجيرها لهم بأسعار زهيدة؟ ففي عام 1970 انشئت اول مدينة صناعية في السعودية، وتوالى انشاء المدن حتى بلغ عددها تسع مدن صناعية بمساحة اجمالية تصل الى 40 مليون متر وتستوعب 1432 مصنعاً عاملاً. وتوقع الصناعيون ان تستمر الحكومة في انشاء مثل هذه المدن حتى تتماشى مع التطور الصناعي الكبير، غير ان ما حدث لم يكن في حسبان الصناعيين، اذ توقف انشاء المدن الصناعية منذ اكثر من 15 عاماً حصل خلالها الصناعيون على نحو 500 ترخيص صناعي من دون ايجاد اراض لانشاء المصانع عليها. ودرست الحكومة عام 1999 خيارات تخصيص المدن الصناعية وصدرت دراسة البنك الدولي حول الاطار المؤسسي لاصلاح تلك المدن. وشهد عام 2001 انشاء الهيئة السعودية للمدن الصناعية لاعطاء الفرصة للقطاع الخاص لتولي شؤونه بنفسه. "الحياة" فتحت ملف ازمة انشاء المدن الصناعية في السعودية للتعرف على اسباب الازمة ووسائل التغلب عليها من خلال التحقيق التالي. قال نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة الرياض رئيس اللجنة الوطنية للصناعات الكيماوية في مجلس الغرف التجارية المهندس سعد المعجل ان الحكومة خصصت ما يزيد على 475 مليون متر مربع من الأراضي الصناعية في 28 مدينة صناعية ولكن لم يتم تطوير إلا تسع مدن صناعية تمثل تسعة في المئة فقط من حجم الاراضي المخصصة لانشاء مدن صناعية، ما ادى الى وجود ازمة كبيرة في المدن الصناعية ادت الى تعطيل الصناعة السعودية. وأضاف ان نسبة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الاجمالي بلغ 10 في المئة وكان من الممكن ان يصل الان الى 20 في المئة، لولا عدم توافر الاراضي الذي عطل تنفيذ الكثير من المشاريع الى جانب عدم جذب رؤوس الاموال الاجنبية . وزاد: "ان التردد والتأخير من قبل وزارة الصناعة ليس له داع لان كل المقومات الصناعية متوافرة، فالمواد الخام الأولية والأموال والاسواق الكبيرة كلها متوافرة، وبالتالي فإن أي تأخير اكثر من ذلك يعتبر خطأ تاريخياً". ومن اجل توفير الاموال التي تحتاجها الدولة لتطوير الاراضي الجديدة، يقترح المعجل ان تبيع هيئة المدن الصناعية الأراضي التي يستأجرها الصناعيون حالياً في المدن الصناعية، وبالمبالغ المتحققة من البيع، تقوم بتطوير المدن الجديدة. وقال المعجل إن نظام هيئة المدن الصناعية ينص على بيع الاراضي التي يستأجرها الصناعيون الان والتي اقاموا عليها مصانعهم، لافتاً الى ان حجم الاموال التي يمكن ان تعود على الدولة من جراء هذا البيع يصل الى 2.5 بليون ريال 666 مليون دولار، في حين ان "كل ما انفقته الدولة على تطوير المدن الصناعية خلال 30 عاماً بلغ بليوني ريال". وأضاف: "اذا كانت الدولة استثمرت بليوني ريال لانشاء المدن الصناعية فإن المستثمرين الصناعيين انفقوا 42.5 بليون ريال 11.3 بليون دولار، تمثل نحو 20 في المئة من اجمالي التصنيع في السعودية". واشار الى ان هناك اكثر من 500 طلب للاراضي الصناعية على قائمة الانتظار في الرياضوجدة، والى ان نسبة الزيادة في الطلب على الاراضي الصناعية المطورة خلال خمسة أعوام بلغ نحو 25 في المئة. ورأى ان خطوة تمليك الصناعيين للأراضي التي يستأجرونها لها ميزات كثيرة، فإلى جانب توفير السيولة للدولة فهى ايضا تعطي طمأنينة لرجال الاعمال وتساعدهم على الحصول على قروض من البنوك بضمان اراضي مملوكة لهم وليست مستأجرة. وزاد ان الدراسات أكدت ان 94 في المئة من الصناعيين لديهم الرغبة في شراء الاراضي الصناعية بدلاً من الايجار، وان 78 في المئة يشعرون بقلق تجاه مستقبل عقود الايجار ومن التغيرات التي قد تطرأ في المستقبل. ودعا المعجل الى تفعيل قرار مجلس الوزراء الخاص بنقل جميع الاراضي الموجودة في المدن الصناعية، والتي تعود ملكيتها الى بعض الوزارات مثل الصناعة والخدمات والبلديات، الى هيئة المدن الصناعية حتى تستطيع الهيئة ممارسة مهماتها في تحسين الخدمات في هذه المدن. وفي المقابل قال المدير العام لهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية المهندس عبدالله السيف ان عمر الهيئة لم يتجاوز عامين وان المدن الصناعية ظلت 30 عاماً تحت مظلة وزارة الصناعة التي كانت تهيئ لها جميع متطلبات التطوير لتحضير البيئة الاقتصادية التي تساعد على انشاء المصنع. وأضاف ان الهيئة تملكت 28 موقعاً منها ثماني مدن صناعية قائمة تستوعب 1440 مصنعاً من اجمالي عدد المصانع في السعودية التي تبلغ 3630 مصنعاً، في حين ان 60 في المئة من المصانع تقع في مناطق تتبع جهات اخرى غير الهيئة مثل البلديات او املاك خاصة او مزارع تحولت الى مصانع. واشار الى ان الهيئة لديها اكثر من 500 مليون متر مربع مخصصة للاراضي الصناعية لم يطور منها سوى ثمانية في المئة، ما ادى الى وجود اختناق في الأراضي الصناعية، خصوصاً في الرياضوجدةوالدمام، التي تستوعب الآن نحو 85 في المئة من المصانع فيما تستوعب بقية المناطق 15 في المئة. وزاد ان الهيئة لديها ثلاثة مشاريع رئيسة لتطوير خمسة ملايين متر مربع في المدينة الصناعية الجديدة في سدير في الرياض واربعة ملايين متر مربع في جدة ومثلها في الدمام تستوعب جميعها نحو 700 مصنع وستطرح قريباً في منافسة عامة امام المستثمرين المحليين والاجانب بعد الانتهاء من وضع المواصفات الخاصة لكل منطقة. وحول كيفية تمويل هذا التطوير، اوضح السيف ان الهيئة ستلجأ لنظام بناء وتشغيل وتسليم، اذ ستمنح المستثمر الذي يقوم بتطوير الارض حق تأجيرها للصناعيين لمدة تصل الى 40 عاماً، مشيراً الى ان الهيئة تعاقدت مع احد المكاتب الاستشارية الايرلندية للمساعدة في وضع المواصفات وشروط المناقصات والعطاءات ومراجعة العقود ثم الاشراف على تنفيذ التطوير الذي يستغرق ما بين سنتين وثلاث سنوات، ولافتا الى ان هذه العقود ستطرح خلال الستة شهور المقبلة. ولماذا التطوير عن طريق المستثمرين في حين ان الهيئة تستطيع تحصيل 2.5 بليون ريال من حصيلة بيع الاراضي في المدن الصناعية القديمة؟ ورداً على هذا السؤال قال السيف ان "الارقام التي اعلنت عن المردود المتوقع من بيع الاراضي مجرد افتراضات لأن مساحة المدن الصناعية الموجودة حالياً تبلغ 40 مليون متر مربع منها 40 في المئة خدمات، اذاً لا يتبقى الا 24 مليون متر مربع وليست كلها منتجة لأن هناك بعض المصانع معطلة، الى جانب ان هناك من لا يريد التملك لأنه مستأجر المتر المربع بسعر هللتين سنوياً لمدة 30 سنة. اذاً الارقام كلها افتراضية، ومع ذلك نحن لدينا خطة للانتهاء من تمليك الصناعيين لأراضيهم المستأجرة ولكن وفق ضوابط وقواعد، وكلفنا احد المكاتب الاستشارية لوضع اللوائح الخاصة بالتمليك لأن هناك تفاصيل كثيرة لابد من حسمها مثل سعر البيع في كل منطقة وشروطه وطرق السداد". ورداً على قول الصناعيين ان تطوير الاراضي عن طريق المستثمرين سيرفع كلفة الايجار عليهم، قال السيف ان "هذا الحديث مبالغ فيه لأنه لن يفوز بعطاء التطوير الا من يقدم اقل الاسعار، هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى، حتى لو افترضنا ان سعر المتر سيؤجر لهم بسعر خمسة ريالات للمتر فيستطيع الصناعي ان يستأجر ارض مساحتها خمسة الاف متر مربع بسعر 25 الف ريال في السنة، ما يعني اقل من سعر تأجير دكان في اي مكان". وحول امكان استثمار أي مردود من بيع الاراضي لتطوير المدن الجديدة، قال السيف ان "هذا قرار اتخذه المجلس الاقتصادي الاعلى الذي رأى ضرورة تخصيص المدن الصناعية، فلا مجال لمزيد من الحديث حوله"، مشيراً الى ان التطوير سيشمل ايضاً اراضي في جازان وعرعر وتبوك والطائف والباحة وعسير وفقا لما يراه مجلس كل منطقة. واشار السيف الى ان الهيئة ستطرح ايضاً مناقصة لاعادة تأهيل المدن القديمة بنظام الاصلاح والتشغيل والتسليم ومناقصة ثالثة لرفع مستوى التشغيل والصيانة التي سيتحملها القطاع الخاص.