سشهدت ولاية الرئيس جورج بوش أحداثاً غير عادية على الصعيدين الداخلي والخارجي، تتالت بسرعة منذ هجمات 11 أيلول سبتمبر 2001، بدءاً بالحرب على الإرهاب واجتياح أفغانستان، مروراً بالحرب على العراق وسياسة الهجمات الوقائية، وما رافقها من خصام بين الولاياتالمتحدة وحلفائها التقليديين، وانتهاء بالتهديدات ضد كوريا الشماليةوإيران وسورية، إلى جانب تطورات داخلية مثل وصول العجز في الموازنة العامة إلى أرقام قياسية، وارتفاع معدلات البطالة، والتضييق على الحريات المدنية. وكل ذلك أضاف أهمية خاصة إلى انتخابات الرئاسة المقبلة في تشرين الثاني نوفمبر 2004. "الحياة" ستنشر تباعاً سلسلة مقالات حول القضايا المتعلقة بالانتخابات، ومواقف أبرز المرشحين من القضايا التي تهم القارئ العربي خصوصاً قضيتي العراق وفلسطين. وفي هذه الحلقة استعراض لتاريخ المرشح الديموقراطي هاوارد دين ومواقفه من القضايا الدولية والداخلية. كان هاوارد دين، الحاكم السابق لولاية فيرمونت، من أوائل من أعلنوا عن نيتهم خوض المعركة الانتخابية الرئاسية، وصعد نجمه سريعاً في أوساط الناخبين الأميركيين لأسباب عدة، منها خطبه الجماهيرية وأسلوبه الفريد في جمع التبرعات وتعبئة المؤيدين من خلال الإنترنت ومعارضته للحرب ضد العراق. وجمع دين حتى الآن تبرعات مالية لحملته الانتخابية تزيد على ما جمعه أي مرشح آخر، ومعظمها تبرعات صغيرة من مواطنين عاديين، كما يحتل المركز الأول بين المرشحين في استطلاعات الرأي. ولد دين عام 1948 في إيست هامبتون في ولاية نيويورك، ويعيش حالياً في مدينة برلنغتون في ولاية فيرمونت. أنهى دراسته الجامعية في جامعة ييل عام 1971، ودرس الطب في المستشفى الجامعي آلبرت آينشتاين في نيويورك وتخرج عام 1978. عمل بين عامي 1978 و1991 في ممارسة الطب في عيادته الخاصة في ولاية فيرمونت. وانتخب في المجلس التمثيلي للولاية بين 1983 و1986، ثم انتخب نائباً لحاكم الولاية بين 1986 و1991، وحاكماً بين 1991 و2002. مواقفه وعلى رغم أن دين يصبغ كلامه بصبغة يسارية ويحاول إرضاء جماهير الناخبين بشتى السبل، إلا أنه يصعب تحديد مواقفه من بعض القضايا. فهو يعبّر أحياناً عن مواقف عامة غير محددة التفاصيل حيث لا يجد من يستمع إليه أي سبب للخلاف معه، فيكثر، مثلاً، من وصف نفسه على أنه ممثل الجناح الديموقراطي في الحزب الديموقراطي، ملمحاً إلى أن هناك جناحاً يمينياً في الحزب، ولكنه لا يحدد أبداً ما هي القيم التي يرى أنها تمثل قيم الحزب الديموقراطي، ويترك هذا الأمر لجمهور الناخبين ليفهم كل منهم ما يريد. وينطبق هذا الأمر على موقفه من مذهب الرئيس بوش بشن الهجمات الوقائية. إضافة إلى ذلك، يغير دين مواقفه أحياناً، أو يعدلها على الأقل، وفقاً لطبيعة الجمهور الذي يستمع إليه. القضية الفلسطينية أثار دين في حملته الانتخابية الكثير من اللغط حول موقفه من القضية الفلسطينية، وأثار زوبعة سياسية في الحزب الديموقراطي وفي المناظرات الانتخابية التلفزيونية. بدأت القصة في الثالث من أيلول 2003، أثناء مهرجان انتخابي لمؤيديه في مدينة سانتا في في ولاية نيومكسيكو، قال فيه: "لا ينبغي للولايات المتحدة أن تؤيد طرفاً ضد الآخر في هذا الصراع، ودعا إلى "تفكيك عدد كبير من المستوطنات" في الضفة الغربية من أجل إحلال السلام. وفي التاسع من أيلول قال في حديث لصحيفة "واشنطن بوست" إن على الولاياتالمتحدة أن تكون "غير متحيّزة" في تعاملها مع المنطقة. وفي اليوم نفسه، عُقدت المناظرة التلفزيونية الثالثة بين مرشحي الحزب الديموقراطي، وكرر فيها دين ما قاله ل"واشنطن بوست"، فهاجمه المرشح اليهودي السيناتور جوزيف ليبرمان بالقول: "إن تصريح دين يكسر سجلاً يرجع إلى 50 عاماً ظل فيه الرؤساء الديموقراطيون والجمهوريون، وأعضاء مجلس الكونغرس من كلا الحزبين، يدعمون علاقتنا مع إسرائيل، استناداً إلى القيم المشتركة والمصالح الاستراتيجية المشتركة". وفي 10 أيلول وقع 34 عضواً في الكونغرس رسالة مفتوحة إلى دين انتقدوا فيها موقفه من إسرائيل، فسارع إلى إظهار تأييده لإسرائيل في مقابلة تلفزيونية على محطة "سي أن أن" دافع فيها عن عمليات الاغتيال خارج نطاق القانون التي تشنها إسرائيل ضد الناشطين الفلسطينيين، والتي تتنافى مع اتفاق جنيف الرابع الموقع في العام 1949، وقال: "هناك حرب دائرة في الشرق الأوسط، وأعضاء حماس هم جنود فيها. ولذلك، يبدو لي، أنه لا بد من تعرضهم للقتل طالما أنهم يشنون حرباً". بعد هذا التصريح ثارت ثائرة الصهاينة وشخصيات الحزب الديموقراطي من جديد لأن دين استخدم كلمة "جنود" في وصف أعضاء "حماس" بدل استخدام كلمة "إرهابيين". وتلقى دين رسائل احتجاج من المنظمات الصهيونية من بينها رسالة من رئيس لجنة مكافحة التشهير إبراهام فوكسمان، والتي رد عليها دين برسالة يقول إنه استخدم كلمة جنود عن قصد لأن "بموجب القانون الدولي، من غير المسموح القيام باغتيال الإرهابيين كذا... لم تكن تلك الكلمة زلة ساذجة بل قلتها من أجل إبقاء سياسة إسرائيل ضمن حدود القانون الدولي". بعد هذه العاصفة، أصدر دين مجموعة من البيانات حاول فيها التخفيف من غضب مؤيدي إسرائيل، وصدر أحدها في 12 أيلول أعرب فيه عن خيبة أمله من السياسيين الذين يتسقطون هفواته ويصورونه على أنه معاد لإسرائيل. كما أخذ يندب فرص السلام الضائعة، وقال: "بدلاً من السلام، هناك حرب حالياً. وبدلاً من النمو الاقتصادي، هناك إرهاب. وبدلاً من ظهور جيل من الشباب المتعاونين في شراكة للسلام، لدينا جيل جديد من الإرهابيين وجيل جديد من الضحايا". وللقارئ أن يخمّن هنا من هم الإرهابيون ومن هم الضحايا. وأضاف: "ان العلاقة الخاصة التي تتمتع فيها الولاياتالمتحدة مع إسرائيل تجعلنا الطرف الوحيد في العالم الذي يمكن له المساعدة على إنهاء هذا الصراع الذي دام قروناً". وأعلن دين موقفه من "عملية السلام" في الشرق الأوسط في بيان غير مؤرّخ منشور على موقع الإنترنت التابع لحملته الانتخابية غالب الظن أنه ظهر بعد العاصفة السياسية. وجاء في البيان: "إن الهيكل الأساسي للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين هو الحل على أساس قيام دولتين... وفي النهاية سيكون على إسرائيل أن تزيل عدداً من المستوطنات القائمة". وتنبغي الإشارة إلى أن مبدأ إحلال السلام على أساس قيام دولتين يعني شيئاً مختلفاً للسياسيين الأميركيين. فهذا المبدأ كان يعني تاريخياً انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية عليها، وإزالة كافة المستوطنات وحل قضية اللاجئين. لكن هذا المبدأ في الولاياتالمتحدة يتحدث فقط عن إقامة الدولة، من دون التطرق إلى قضايا المستوطنات واللاجئين والمياه والحدود والقدس. وفي مقابلة أجراها دين مع مجلة "جويش ويك" اليهودية في أعقاب العاصفة التي أثارها، قال: "شعرت بالمفاجأة نوعاً ما، لأن الناس الذين يعرفونني يعلمون جيداً أنني مدافع قوي عن إسرائيل". وبالفعل، ومنذ بدايات حملته الانتخابية، سعى دين إلى الحصول على تأييد المنظمات الصهيونية اليمينية. وهو أبلغ في تشرين الثاني نوفمبر 2002 صحيفة "فورورد" اليهودية عما إذا كان يدعم موقف منظمة "أميركيون للسلام الآن" أن "مواقفي أقرب إلى مواقف اللجنة الأميركية - الإسرائيلية للشؤون العامة إيباك"، وهي أقوى منظمات اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة، وتدعم الاحتلال والاستيطان دعماً كاملاً. لا يفوّت دين أي فرصة لمهاجمة الرئيس جورج بوش في أي قضية، إذ هاجمه لامتناعه عن التدخل في الشرق الأوسط لفترة طويلة في بداية ولايته، ومع ذلك عبر عن تأييده لبوش في رؤيته للقضية الفلسطينية، وربما تكون هذه القضية الوحيدة التي يتفق فيها مع الرئيس الأميركي. ففي خطاب ألقاه في جامعة دراك 17/2/2003 قال: "لا أختلف مع السياسة المعلنة للرئيس بوش في هذا الشأن، بل أتمنى فقط أن يقوم بتطبيقها... إن المبادئ العامة لموقف الإدارة من قضية الشرق الأوسط صائبة... من المحتمل أن بعض الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين مسألة ضرورية على ضوء عمليات سفك الدماء الرهيبة في السنتين السابقتين". ويظهر هنا غموض متعمد، إذ إن دين كان، ولا يزال، يحاول كسب معسكر المتشددين ومعسكر المعتدلين في آن. وهو قال في مؤتمر نظمه معهد العرب الأميركيين 18/10/2003 في محاولة لأرضاء الجميع: "إن بناء الجدار تكتيك قصير الأمد ولا شك أنه لأغراض دفاعية، وأنا أشعر بالقلق حيال مسار هذا الجدار... أما على المدى البعيد فلا يمكن الإبقاء على الجدار". وأكد دين في مناسبات أخرى أيضاً تأييده لمواقف بوش بضرورة عدم التعامل مع الرئيس ياسر عرفات. وإذا كان دين يغير من مواقفه بين حين وآخر إلا أن هناك موضوعات ظل صامداً فيها على موقفه، ومنها تهجمه بمناسبة ومن غير مناسبة على الرئيس عرفات وعلى السعودية وسورية وإيران. الديموقراطية والحرب والهجمات الوقائية عارض دين الحرب على العراق منذ البداية، وبرر في مناسبات عدة أسباب معارضته بأن الولاياتالمتحدة تضعف تحالفها مع حلفائها التقليديين وتدشّن سياسة الهجمات الوقائية التي يعتبرها سياسة خاطئة، ولأن الحرب تحرف انتباه الولاياتالمتحدة عن أسامة بن لادن وتنظيم "القاعدة". وهو قال قبل الحرب: "لم تشرح لنا الإدارة كيف ستحقق السلام والأمن عندما تطيح صدام حسين... لماذا لا نتيح للأمم المتحدة نزع أسلحة صدام من دون أن نشن حرباً... من المؤكد أن المشاعر المعادية للأميركيين ستتأجج ضمن المضلَّلين بفتح اللام الذين اختاروا أن يروا الهجوم على العراق هجوماً على الإسلام أو وسيلة للسيطرة على نفط العراق". وفي مناسبات لاحقة، أضاف دين أسباباً أخرى لمعارضته للحرب، ففي المناظرة التلفزيونية الأولى بين المرشحين 3/5/2003 قال: "سنضطر آجلاً أم عاجلاً للتعامل مع نظام أصولي شيعي في العراق، سيشكل خطراً أكبر على الولاياتالمتحدة مما كان يشكله العراق في السابق". وفي مناسبات أخرى أعلن معارضته نشر الديموقراطية في الشرق الأوسط. ففي مقال نشره في مجلة "كومون دريمز" اليسارية 17/4/2003 كتب أن "على الرئيس المقبل أن يلغي الأعمال التي قامت بها تلك العصبة المتطرفة التي تسيطر على سياستنا الخارجية حالياً والتي ترى الشرق الأوسط بصفته مختبراً لتجاربها في بناء الديموقراطية، إذ لا توجد في تلك المنطقة تقاليد من هذا النوع". وتعارض المؤسسة التي تدير الحزب الديموقراطي ترشيح دين، إذ ترى أن فرص فوز مرشح معارض للحرب ضئيلة، وأن الشعب الأميركي يفضل رئيساً يتميز بالصلابة في المجال العسكري. ويستشهد مؤيدو هذه الفكرة بالتجربة التي خاضها الحزب عام 1972، إذ فاز المرشح جورج ماكغفرن الذي كان مناهضاً لحرب فيتنام بترشيح الحزب رغماً عن إرادة المؤسسة، فخسر أمام نيكسون خسارة ماحقة، إذ لم يفز سوى في ولاية واحدة من الولايات الخمسين. ولهذا السبب يحاول دين جاهداً أن يظهر كشخص صلب من الناحية الدفاعية، على رغم معارضته الحرب على العراق. وفي مقابلة مع مجلة "يو أس نيوز" 11/8/2003 قال: "أنا لست معارضاً للحرب، بل معارض للحرب على العراق فقط". وأكد في خطاب آخر: "إنني لست ممن يقولون إن على أميركا الا تقوم أبداً باستخدام قواتها المسلحة بصورة منفردة. ففي بعض الحالات ليس لدينا أي خيار آخر. وفي حال العراق، سأكون مستعداً لمهاجمة العراق عسكرياً من دون قرار من مجلس الأمن، إذا كان من الواضح أن هناك تهديداً يشكله صدام حسين، وأن ليس في إمكاننا احتواؤه أو ردعه". ومع أن دين عارض الحرب في البداية، إلا أنه لا يعارض احتلال العراق. فيوم سقوط بغداد 9/4/2003 أصدر بياناً صحافياً عرض فيه خطة من سبع نقاط لعملية متعددة الأطراف لإعادة إعمار العراق، دعا فيه إلى التعاون مع الدول الأخرى، وإلى نقل السلطة المدنية إلى هيئة دولية يوافق عليها مجلس الأمن. وفي النقطة السادسة من الخطة توقع أن يستغرق "التحول الديموقراطي بين 18 إلى 24 شهراً، وبقاء القوات العسكرية في العراق لفترة أطول". ومنذ ذلك الوقت أصدر دين بيانات عدة بهذا الشأن، كما أعرب عن مواقفه خلال المناظرات التلفزيونية بين المرشحين، وقال إنه سيزيد عدد القوات الموجودة في العراق، على أن تتضمن قوات من دول إسلامية وجنود "من الناطقين بالعربية". وفي خطاب له أمام مجلس العلاقات الخارجية قال: "عبر الجنرال شينسيكي عن رأيه كعسكري وقال إن الحملة على العراق تتطلب 200 ألف جندي، ورفضت الإدارة نصيحته. فإذا انتخبت رئيساً سأضيف ما لا يقل عن 50 ألف جندي أجنبي إلى القوات الموجودة في العراق. ومن الضروري جلب المجتمع الدولي لمساعدتنا في العراق". وفي مناسبة أخرى قال إنه سيضيف 150 ألف "جندي أجنبي" ولن يُبقي في العراق سوى 50 ألف جندي أميركي، في سعي واضح للحصول على تأييد الجنود وعائلاتهم. ودعا دين في بيان 20/8/2003 الإدارة إلى اتخاذ خطوات لتشجيع حلفائها على المشاركة في إعادة إعمار العراق، ومنها "المشاركة في صنع القرار وفي قضايا إعادة الإعمار" و"منح عقود الإعمار للمقاولين الذين يقدمون أفضل العروض، من خلال عملية شفافة ومفتوحة". النفط والإرهاب غالباً ما يربط دين النفط والإرهاب معاً. فمنذ أحداث 11 أيلول، ساد في وسائل الإعلام أن ما جرى حدث بسبب الكراهية وأحياناً الغيرة التي يشعر بها سكان الدول الإسلامية نحو الولاياتالمتحدة خصوصاً والغرب عموماً، ولأن أنظمة التعليم في الدول الإسلامية "متطرفة تزرع الحقد والكراهية ضد المسيحيين واليهود في قلوب الأطفال". وكرر دين هذا السبب في أكثر من مناسبة، وأضاف إليه أن أموال النفط تمول المدارس المتطرفة. وقال في أحد خطاباته: "بعد ثلاثة عقود على حظر تصدير النفط الذي فرضته منظمة أوبك عام 1973، ما زالت الولاياتالمتحدة تستهلك 40 بالمئة من نفط العالم. وهذا الأمر إخفاق للسياسة الأميركية وخطر على الشعب الأميركي لا يمكن لنا القبول بهما، لأن ذلك يعني أننا نرسل بلايين الدولارات سنوياً لبلدان تقوم بتمويل الأنظمة التعليمية المتطرفة التي تعلّم الأطفال أن يكرهوا المسيحيين واليهود والأميركيين. هذا جنون، لأن تلك المدارس أخطر ميادين تجنيد الإرهابيين". وقال أمام مجلس العلاقات الخارجية يقول إن "على الولاياتالمتحدة أن تقلل اعتمادها على نفط الشرق الأوسط، وعلينا أن ننتخب رئيساً لديه استعداد لمواجهة الإيرانيين والسوريين والسعوديين والآخرين الذين يرسلون الأموال لحماس ويمولون شبكة عالمية من المدارس الأصولية التي تعلم الأطفال أن يكرهوا الأميركيين والمسيحيين واليهود". أما الحلول التي يقدمها لمكافحة الإرهاب فهي باختصار: زيادة القوة العسكرية للولايات المتحدة، وزيادة جاهزية أنظمة الطوارئ في المدن الأميركية، وتعزيز النظام الاستخباراتي لمنع حدوث عمليات إرهابية. ويقول في مقاله في مجلة "كومون دريمز" اليسارية: "من غير الممكن لأقوى جيش في التاريخ أن يزيل خطر الخلايا الإرهابية النائمة. فالمهمة تتطلب أعلى مستوى من التعاون الاستخباراتي مع حلفائنا". ويرى أن "للتعامل مع أخطار الأرهاب على المدى البعيد، علينا أن نجتث الإرهابيين وندمرهم وندمر شبكاتهم وأنظمة تمويلهم. ولكن، فيما نقوم بذلك، علينا ألا نزودهم بذرائع جديدة لتجنيد المزيد من الإرهابيين. ومن الضروري في هذا الكفاح، أن تكون أميركا مثالاً في القيادة الراجحة وأن تمارس القوة بمسؤولية. وبتلك الطريقة فقط يمكننا أن نأمل بإزالة الدعم للجيل القادم من المتطرفين الذين ينظرون إلى ثقافتنا وأعمالنا، ليس بحسد وغيرة فحسب، ولكن أيضاً بحس عميق من الكراهية بسبب الطريقة التي ندير فيها شؤوننا". أسلحة الدمار الشامل ويقول دين في خطابه أمام مجلس العلاقات الخارجية: "فيما كنا نركز على العراق، فإننا أهملنا التهديدات النووية الحقيقية التي بزغت من كوريا الشماليةوإيران... في إيران، علينا استخدام الوسائل الاقتصادية والديبلوماسية التي في حوزتنا كافة. علينا أن نعمل مع الأوروبيين والروس لإيقافها عن تطوير سلاح نووي وعن دعمها للإرهاب". وفي فقرة أخرى من الخطاب ذاته يقول: علينا تعزيز الاتفاقات الدولية الخاصة بحظر انتشار أسلحة الدمار الشامل، وأن نقيّد سبل الوصول إلى المواد النووية والمواد الخطرة الأخرى، وأن نطبق ديبلوماسية زاجرة، وكحل أخير أن نقوم بعمل عسكري لإزالة برامج إنتاج الأسلحة ومرافق انتاجها. ومن المستحسن اتخاذ كل هذه الخطوات بالتعاون مع دول أخرى وليس بصورة منفردة، الأمر الطريف في هذا الاقتباس أن دين يهدد باستخدام القوة العسكرية لإزالة "برامج" انتاج الأسلحة. يغيّر دين أقواله ومواقفه أحياناً بحسب الجمهور الذي يتحدث إليه، فهو في الاقتباسين السابقين يتخذ موقفاً متشدداً من كوريا الشماليةوإيران، ويتوعد الأخيرة بعمل عسكري كملاذ أخير!، وأحياناً يضيف إليهما سورية والسعودية لأسباب أخرى. ولكن في المقال الذي نشره في مجلة "كومون دريمز" يتخذ موقفاً مناقضاً تماماً لاسترضاء الأوساط اليسارية في الولاياتالمتحدة، إذ يقول: "عندما وافق الكونغرس على تفويض الرئيس بوش بشن الحرب على العراق ... فإنه أعطى الرئيس ضوءاً أخضر للشروع بمذهب الحرب الوقائية. ويتضح الآن أن العراق لم يكن سوى الخطوة الأولى، إذ يبدو أن إدارة بوش تتطلع إلى سورية وإيران بصفتهما البلدين التاليين على قائمة البلدان المستهدفة. لهذا يجب إيقاف مذهب بوش عند هذا الحد". وكل ذلك يقود إلى السؤال: هل دين معارض للحرب حقاً؟ المرشحون التسعة واهتمامات الناخبين هناك انقسام واضح في المجتمع الأميركي في تأييد الحزبين السياسيين الرئيسين، ومن الأدلة على ذلك، أن كل المناصب التشريعية في الولاياتالمتحدة على المستوى القومي وعلى مستوى الولايات، والتي يبلغ عددها 7382 منصباً، تنقسم بين الحزبين على النحو الآتي: 49,7 في المئة للحزب الجمهوري، و49,3 في المئة للحزب الديموقراطي. وبناء على ذلك، يتوقع ان يكون التنافس شديداً في الانتخابات المقبلة، ربما بصورة تشابه الانتخابات الماضية التي حُسمت بفارق لا يتجاوز 300 صوت. ويتنافس تسعة مرشحين من الحزب الديموقراطي على الفوز بترشيح الحزب لمواجهة الرئيس بوش في الانتخابات النهائية. وتختلف مواقف هؤلاء اختلافاً كبيراً، فبينهم من يؤيد الحرب على العراق ومن يعارضها، وبينهم من يؤيد سياسة الضربات الوقائية ومن يعارضها، إضافة إلى مواقفهم المختلفة من القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأخرى وقضايا السياسة الخارجية. ونال المرشحون التسعة بالترتيب الأبجدي، بحسب استطلاع أجرته منظمة "غالوب" منتصف تشرين الثاني نوفمبر الماضي النقاط الآتية: جون إدواردز عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولاينا الشمالية - ستة في المئة، كارول موزلي براون عضوة سابقة في مجلس الشيوخ عن ولاية آلينوي - أربعة في المئة، هاورد دين حاكم سابق لولاية فيرمونت - 17 في المئة، ألفريد شاربتن قسيس وقائد في حركة الحقوق المدنية من ولاية نيويورك - خمسة في المئة، ديك غيبهارت عضو مجلس الكونغرس عن ولاية ميسوري - 13 في المئة، جون كيري عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساشوستس - تسعة في المئة، دينيس كوسينتش عضو مجلس الكونغرس عن ولاية أوهايو - ثلاثة في المئة، ويسلي كلارك جنرال متقاعد من ولاية آركنساس - 17 في المئة، جوزيف ليبرمان عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كونتيكت - 13 في المئة. وانسحب عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا، بوب غراهام من المنافسة في 6 تشرين الأول. وهناك 13 في المئة من الناخبين لم يحددوا رأيهم بعد، أو لا رأي لهم. ووجهت منظمة "غالوب" في استطلاع للرأي أجرته أخيراً سؤالاً الى الناخبين حول القضية الأساسية التي سيقررون وفقها المرشح الذي سيمنحونه صوتهم. وأعرب هؤلاء عن اهتمامهم بالقضايا العامة على النحو الآتي: الاقتصاد 29 في المئة، الحرب في العراق 22 في المئة" القضايا الدولية والسياسة الخارجية سبعة في المئة،" الأمن الداخلي وقضايا الدفاع سبعة في المئة، الرعاية الصحية سبعة في المئة، توافر فرص العمل ستة في المئة، التعليم خمسة في المئة، الضرائب أربعة في المئة، نزاهة المرشحين وصدقيتهم أربعة في المئة، الإرهاب ثلاثة في المئة، البيئة واحد في المئة. * باحث أردني مقيم في نيويورك.