وسط جوّ حميم وهادئ، استطاعت المطربة والملحّنة اللبنانية جاهدة وهبي مساء أول من أمس أن تعيد إلى الأذهان عمالقة الفن العربي، خلال حفلة أحيتها في قصر اليونيسكو في بيروت بمرافقة أعضاء الفرقة الموسيقية بقيادة محيي الدين الغالي. استهلّت جاهدة الحفلة الذي أُقيمت برعاية وزارة الثقافة اللبنانية بأغنية لسيد درويش "أهو ده اللي صار"، واختتمتها ب"حيّرت قلبي معاك" لأم كلثوم. وحملت جمهورها إلى آفاق جديدة، محلقة بالأنغام التي أدتها وتلاعبت بها، بل لنقل راقصتها ببراعة وإشراق، وقدمت الصعب منها والجميل. وراح صوتها كما الفراشة يتنقل، مختالاً، بين روائع موسيقيين عرب، بين اللون الأصيل والقصيدة والأغنية الشعبية. لكن صوت جاهدة الاوبرالي الذي يزداد تألّقاً لدى أداء اغاني سيدة الغناء العربي وألحان محمد عبدالوهاب، بدا أكثر جمالاً وانسجاماً واحساساً عندما صار اللحن لصاحبة الصوت القوي العذب مع ثلاث أغاني جديدة هي "بيروت" من كلمات الشاعرة لميعة عباس عمارة، و"لا تلتفت إلى الوراء" للشاعر الألماني غونتر غراس ترجمة الشاعرة امل الجبوري، و"بغداد" لأمل الجبوري أيضاً. وكان بين الحاضرين المطرب اللبناني وديع الصافي وشارك جاهدة أداء أغنيته المشهورة "عندك بحرية"، فأثارا تصفيق القاعة. الجمهور فوجئ، ووقف مذهولاً فرحاً ومنسجماً... أما جاهدة التي أضاف الصافي حرف "الميم" على اسمها ليصبح "مجاهدة"، فلم تفارق البسمة وجهها، خصوصاً بعدما احيطت بحضور عدد كبير من اصدقائها وزملائها، وعدد من رجال السياسة اللبنانيين . وعلى رغم تعوّد جاهدة على ضخامة المسارح العريقة من بعلبك إلى جرش إلى دار الاوبرا في القاهرة وسواها من الصروح العالمية، إلاّ أن رهبة الصعود على الخشبة ومواجهة الجمهور لا تزال تسيطر عليها، وكأن لحظات البدايات دائماً مخيفة، أو هذا على الأقل ما شعر به الحاضرون. إلا أن صوت جاهدة سرعان ما تأقلم وراح يعلو ويتألًق كلّما تواصل الغناء، حتى جاءت الوصلة الثانية كأنها لحظات عشق حقيقية تجسّدها جاهدة عبر أغاني مثل: "كامل الاوصاف" و"أراك عصي الدمع" و"أحب اشوفك"... وقد يكون ثوبها الاسود الواسع الطويل في المرحلة الثانية ساعدها في ابتداع اللحظات الجميلة، هي المصرة على تحدي الموجة الغنائية الهابطة، لتقدم الفن الراقي وتغرف من كنوز الشعر العربي مضفية عليه ألحانها أيضاً، وكانت حفلتها الأخيرة إحدى محطات مشوارها هذا. وخلال الحفلة أدّت الفرقة اللبنانية للايقاع ليبرا بادارة فادي يعقوب، تنويعات ايقاعية جذابة بين الوصلة الاولى والثانية، وأدخلت قليلاً من المرح الشبابي على الحفلة التي تميّزت بالإصغاء والرصانة والحماسة.