أكد البنك الدولي أن الاقتصاد العالمي، الذي ابتلي بسلسلة أحداث مقوضة للثقة في الشهور الأولى من 2003 خصوصاً تداعيات الحرب على العراق وتوتر العلاقات بين أميركا وقسم كبير من العالم وتفشي وباء الالتهاب الرئوي الحاد سارز، سيواصل النمو بمعدلات تقل كثيراً عن امكاناته لفترة من الوقت وقد يحقق انتعاشاً ملموساً السنة المقبلة. لكنه حذر من أن الاقتصاد العالمي سيخسر فرصة ثمينة لحفز النمو في حال فشلت الجولة الجديدة من مفاوضات تحرير التجارة في التوصل الى اتفاق. قال البنك الدولي، في تقرير عن آفاق التنمية الاقتصادية لسنة 2004 نشره أمس الأربعاء، أن الاقتصادات الدولية ستخرج من السنة الجارية بنسبة نمو لا تزيد على اثنين في المئة وهي نتيجة ستأتي أفضل كثيرا من أداء عام 2001 وستكون مقاربة جداً لنتيجة عام 2002 وان كانت ستبقي الاقتصاد الدولي وللعام الثالث على التوالي في ركود لن ينتهي قبل السنة المقبلة وفي حال ارتفعت نسبة النمو الى 3 في المئة حسبما هو متوقع. وتعتبر توقعات البنك الدولي متحفظة بالمقارنة مع مؤسسات دولية خصوصاً مثل صندوق النقد الذي يعتقد في أحدث توقعاته أن الاقتصاد الدولي سينمو بنسبة تزيد على 3 في المئة عام 2003 وبنسبة تزيد على 4 في المئة السنة المقبلة، وكذلك المنتدى الاقتصادي التابع لمؤسسة "مورغان ستانلي" الذي رفع أخيراً توقعاته في شأن نسبة النمو المتوقعة للسنة الجارية الى 2.8 في المئة وعزا السبب الى تطورات ايجابية "مفاجئة" في الاقتصاد الياباني وعدم تحقق كثير من المخاوف المرتبطة بوباء سارز. الا أن البنك الدولي لا يختلف كثيراً عن المؤسسات الأخرى في تفاصيل توقعاته بالنسبة لأداء المجموعات الرئيسية المكونة للاقتصاد الدولي اذ توقع أن تستمر الدول النامية في زخم النشاط الاقتصادي محققة نمواً بنسبة 4 في المئة سنة 2003 وبنسبة 4.9 في المئة السنة المقبلة مقابل 1.5 في المئة و2.5 في المئة على التوالي لاقتصادات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وستساهم في النمو الجماعي غالبية المناطق النامية ومن ضمنها اقتصادات منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ التي ستقود بنسبة تزيد قليلاً على 6 في المئة السنة الجارية و6.7 في المئة السنة المقبلة، كذلك كل من مجموعة الاقتصادات العربية وايران التي سيرتفع متوسط نسب نموها من نحو 3.1 في المئة عامي 2002 و2001 الى 3.3 في المئة السنة الجارية و3.9 في المئة سنة 2004 واقتصادات منطقة جنوب آسيا التي يتوقع أن تصل نسبة نموها في السنتين الجارية والمقبلة الى 5.4 في المئة. وسيقود الاقتصاد الأميركي الاقتصادات الصناعية في الأداء الهزيل المتوقع لسنة 2003 والانتعاش المتوقع سنة 2004 اذ سيساهم بنسبتي 2.2 في المئة و3.4 في المئة على التوالي، وسيحقق الاقتصاد الياباني نمواً أفضل قليلاً من اقتصادات منطقة اليورو ثم يتراجع قليلا وستأتي مساهمته بواقع 0.8 في المئة و1.3 في المئة سنتي 2003 و2004 على التوالي مقابل 0.7 في المئة و1.7 في المئة على التوالي لاقتصادات اليورو. دفع الثمن لكن تقرير البنك الدولي أفاد أن الاقتصاد العالمي سيستمر في دفع ثمن التأزمات الجيوسياسية والتطورات الدراماتيكية التي شهدتها أسواق المال وحسابات الشركات الأميركية في الأعوام الثلاثة الأخيرة مشيراً الى أن الانتعاش المتوقع في الفترة المقبلة، أقله حتى سنة 2005، لن يصل بالدول النامية أو الصناعية الى مستوى النشاط الاقتصادي الذي حققته سنة ألفين وهو ما ينطبق كذلك على التجارة الدولية التي يتوقع أن تبلغ نسبة نموها السنة الجارية 4.6 في المئة أي أقل من نصف نسبة نمو سنة ألفين. ولاحظ أن حال الضعف التي يمر بها الاقتصاد الدولي في الوقت الراهن ترافقت مع تعثر الجولة الجديدة من مفاوضات تحرير التجارة الدولية جدول أعمال الدوحة التي من شأن نجاحها تحقيق مكاسب ضخمة للاقتصادات النامية والصناعية على حد سواء، كذلك انتشال عشرات الملايين من براثن الفقر عبر حفز النشاط الاقتصادي عموما وما وصفه البنك الدولي "ازالة مظاهر الاجحاف في نظام التجارة الدولية". وكان مسؤولو التجارة في أميركا والاتحاد الأوروبي وممثلون عن الدول النامية عقدوا محادثات غير رسمية في مونتريال نهاية تموز يوليو الماضي، لكنهم أخفقوا في تحقيق نجاح يذكر في شأن قضايا أساسية ذات أهمية كبيرة للدول النامية وهي الدعم الهائل الذي تقدمه الدول الصناعية لمزارعيها والتعرفات الجمركية التي تواجهها المنتجات الزراعية والمصنعة للدول النامية في الدول الصناعية وأعباء براءات اختراع الأدوية على الدول الفقيرة. وأعلنت منظمة التجارة الدولية في تقرير عاجل أن الدول الأعضاء في المنظمة نجحت في كسر الجمود الذي كانت وصلت اليه محادثات براءات اختراع الأدوية بعدما توصلت السبت الماضي الى اتفاق على احداث تغييرات في قوانين حماية الملكية الفكرية والصحة العامة، بحيث يتاح للدول الفقيرة استيراد أدوية رخيصة شرط أن تكون مصنعة وفق نظام الترخيص الاجباري وذلك في حال عدم قدرتها على تصنيع هذه الأدوية محليا. ويُعتبر الاتفاق المعلن، الذي استدعى التزام عدد كبير من الدول النامية ومن ضمنها الكويت وقطر والامارات الامتناع عن استيراد الأدوية الرخيصة الثمن الا في حالات الضرورة القصوى، نجاحاً كبيراً لمفاوضات تحرير التجارة ويشكل أساساً جزءاً مهماً من اعلان الدوحة، لكن مسؤولين في البنك الدولي شددوا على ضرورة تحقيق نجاحات مماثلة في شأن القضايا الأخرى لا سيما في المؤتمر الوزاري المقرر أن تستضيفه المكسيك في كانكون الاسبوع المقبل ووضعوا الكرة في ملعب الدول الصناعية. وقال كبير الاقتصاديين نيكولاس ستيرن ان الدول الصناعية "تسيطر على ثلثي السوق الدولية ومن الأهمية بمكان أن تبادر في التفاوض على خفض الدعم الزراعي والتعرفات الجمركية للخروج بنتيجة منصفة في مؤتمر كانكون" مشيراً في المقابل الى ضرورة تصدي الدول النامية لمعالجة مشكلة التعرفات الجمركية العالية التي تطبقها على منتجات بعضها البعض وتشكل عائقا أمام التبادل التجاري في ما بينها. ورسميا من المقرر أن ينحصر عمل مؤتمر كانكون في اجراء "تقويم" لما تم احرازه من تقدم في الجولة الجديدة من مفاوضات تحرير التجارة الدولية التي أطلقتها منظمة التجارة في العاصمة القطرية عام 2001 الا أن ثمة اجماع بين المراقبين على أن هذا المؤتمر الذي سيعقد في الفترة من 10 الى 14 أيلول سبتمبر الجاري سيشكل مؤشراً على نجاح أو فشل المفاوضات على رغم أن الموعد المحدد مسبقاً لانجازها هو بداية كانون الثاني يناير سنة 2005. وأكد مدير قسم التجارة في البنك الدولي يوري دادوش في اشارة الى مؤتمر كانكون ان "مفاوضات تحرير التجارة تقترب من مرحلة حرجة ومن شأن فشل وزراء التجارة في التوصل الى اتفاق لخفض حواجز التجارة التي تؤثر سلبا في منتجات الدول الفقيرة ولا سيما المنتجات الزراعية والمنتجات المصنعة التي تحتاج الى عمالة كثيفة أن يؤدي الى ضياع فرصة متاحة لمساعدة فقراء العالم على رفع مستوى معيشتهم". لكن البنك الدولي شدد على أن لدى الدول الصناعية والدول النامية مصلحة مشتركة في ايصال المفاوضات الى نهاية ناجحة مشيراً الى أن التوصل الى "اتفاق جيد" سيؤدي الى تحقيق مكاسب في الدخل لكلا الطرفين تراوح قيمتها بين 290 و520 بليون دولار اضافة الى انتشال 144 مليون انسان من براثن الفقر بحلول سنة 2015.