ضمن دورة برامج الخريف الجديدة، تحضر الدراما المحلية في شكل ملحوظ على المحطات اللبنانية الأرضية والفضائية: "مريانا" و"ابنتي" على شاشة "المؤسسة اللبنانية للإرسال"، "صور ضائعة" على قناة "المستقبل"، فضلاً عن مسلسل "صدفة" ذي الحلقات المنفصلة - المتصلة في جزئه الثاني على قناة "التلفزيون الجديد"، والمسلسل الكوميدي "عبدو عبدو" على "المؤسسة اللبنانية للإرسال" أيضاً. تحظى الأعمال الدرامية المذكورة بنسبة مشاهدة لا بأس بها. غير ان ذلك لا يعني رضى المشاهد عنها، إذ لا يزال يشعر ببعد الدراما اللبنانية عنه وبعدم قدرتها على تجسيد همومه ونقل تطلعاته في شكل كافٍ إلى الشاشة الصغيرة. وجد المشاهد شبهاً كبيراً بين "مريانا" والمسلسل المكسيكي "ماريا مرسيدس". فالخادمة الآتية من القرية للعمل في المدينة والمشكلات التي تواجهها، هي نفسها هنا وهناك، قصة باتت مألوفة يتوقع المشاهد تطوراتها سلفاً، ويحس ببعدها عن الواقع وصعوبة حصولها. أما مسلسل "ابنتي" المدرج ضمن سلسلة "حكايات" للكاتب شكري أنيس فاخوري، فيقدم الى المشاهد قصة جميلة تعكس المشكلات التي تعاني منها أسرة لا تستطيع الإنجاب، وتعلّق الأب بابنته بعد وفاة والدتها، والمشكلات التي تنتج عن ذلك التعلق المرَضي. لكن أسئلة كثيرة تطرح حول الكلام المنمق والأسلوب الخطابي المتداول بين شخصيات المسلسل، ما افقده بعض العفوية الضرورية. ويحظى "صور ضائعة" بنسبة مشاهدة عالية على رغم أنه عرض سابقاً على القنوات السورية واستطاع ان ينافس، خلال شهر رمضان الماضي، المسلسلات السورية في عقر دارها. وعزا بعض النقاد نجاح المسلسل إلى أن الدراما اللبنانية تجاوزت كثيراً من مشكلاتها السابقة عبر الإفادة من التجربة السورية في مسلسل من تأليف اللبناني إبراهيم صادق، وإخراج السوري غسان جبري، وإنتاج شركة "عرب للإنتاج الفني" السورية. وليدة الحرب ومن هذا المنطلق، يرى بعض النقاد ان الدراما اللبنانية ما زالت وليدة الحرب لذا يجب عليها الاعتماد على التجربة السورية، الأكثر خبرة، فيتم الاستعانة بكتاب ومخرجين سوريين، والاعتماد على كوادر لبنانية في التمثيل. وفي خط موازٍ، يرى بعض النقاد ان الدراما اللبنانية أخفقت في مجاراة تلك الأعمال السورية، أو المصرية، لأنها بحثت عن الغريب وغير المألوف وابتعدت من تجسيد الواقع، وعكس هموم الشباب اللبناني ومشكلاته وتطلعاته. في حين يجد البعض الآخر ان المشكلة الأساسية التي تعاني منها الدراما تعود للإنتاج، إذ تفتقر الأعمال اللبنانية إلى جهات منتجة تثق بالعمل وتخصص له الموازنة الكافية ليخرج بأفضل حلة. فتقتصر الجهات المنتجة في لبنان على محطات تلفزيونية تلتزم بعرض المسلسل على قناتها فحسب. أما في المسلسلات السورية والمصرية فنرى الجهة المنتجة تطوع كل عناصر العمل لخدمة القضية التي يحملها النص. ويرفض مروان نجار، أحد ابرز كتاب الدراما اللبنانية اليوم، الكثير من اتهامات النقاد، خصوصاً تلك التي تشير إلى النقص الحاصل على الساحة الفنية اللبنانية، من ناحية الممثل المحترف، والكاتب الجيد، والمخرج المبدع. وللكاتب وجهة نظر مختلفة عن النقاد وتبريرات مختلفة لتراجع الدراما. ففي حديث إذاعي أجراه أخيراً، اعتبر نجار ان تيار الدراما اللبناني قوطع في الحرب ولم يعط المجال لنشوء تيار بديل. فعلى رغم وجود بعض الأعمال الجدية إلا ان نجار لا يعتبر ان هذه الأعمال كانت كافية لخلق تيار مستقر. ويضيف: "ما النجاحات التي تحققت إلا نجاحات فردية، وليست فاعلة في خلق صدقية للدراما اللبنانية". ويشير أحد أهم العاملين في الدراما المحلية اليوم الى ان كتابته تدرج تحت خانة المثالية بمعنى ان لها مثلاً وأهدافاً تريد ان تبلغها. والمسألة تحمل وجهتين في نظره، فهناك "ما ننقله لأننا نحتاج إلى وجوده وهناك ما ينقل لأنه غير موجود ويتمنى المشاهد لو كان موجوداً. وهذه هي الواقعية الحالمة بالأفضل والأجمل. ثمة رؤية لحياة افضل نسعى إليها مع العائلات التي تشاهد العمل بروح روائية بعيداً من الوعظ الممل". بعد فترة وجيزة يبدأ الكاتب اللبناني بتسجيل برنامج "صارت معي" الذي يقوم على مبدأ تلفزيون الواقع. ويستنبط نجار قصصاً من واقع الحياة، كما عاشها أبطالها، ويقوم البطل الحقيقي للقصة بسرد شهاداته الحية، ويتكامل السرد مع أداء الممثلين للقصة. فهل سننجح من خلال هذه التجربة في تقديم صورة حقيقية عن الواقع ونقرب المشاهد من الدراما اللبنانية مبتعدين عن تلك المثالية الحالمة؟ فننهض بالدراما ونميزها بغزارة الإنتاج وفرادة طرح المواضيع وانتقاء ما يستحق فعلاً المعالجة الدرامية؟