في أوائل التسعينات من القرن الماضي شهدت الدراما السورية نمواً كبيراً ونجاحاً لافتاً، وتحولت في وقت قصير إلى عنصر أساسي في القنوات الفضائية ما شكل لها دفعاً نوعت من خلاله أعمالها وأعطت إبداعات حقيقية. ومع الوقت، ومع غزارة الطلب وكثرة الإنتاج قدمت الدراما السورية أعمالاً فانتازية وتاريخية وكوميدية الى جانب الدراما الاجتماعية المفضلة لدى المشاهد العربي نظراً الى ارتباطها بحياة المواطن ومشكلاته الواقعية الراهنة. وتزدهر صناعة الدراما في القطاع الخاص بشكل لافت، وتتنافس نحو 10 شركات كبرى على إنتاج نحو 400 ساعة سنوياً. ولعل هذا الكم الإنتاجي أسهم في تقديم بعض الأعمال المهمة وأوصل الدراما السورية إلى مكانة مرموقة في عالم الدراما العربية وسمح لها بمنافسة الدراما المصرية في كثير من الأحيان. كيف ينظر اهل الفن والنقاد في دمشق الى موضوع الدراما، وما هي تطلعاتهم وطموحاتهم؟ يؤكد الكاتب والصحافي خليل صويلح: "لا يمكن إطلاق تسمية دراما سورية على كل ما ينتج في هذا البلد، سواء لجهة استيراد رأس المال، وهو من المحطات العربية أبو ظبي، أوربت، وmbc أم لجهة خلق حال متواترة ومتصاعدة، حيث تمنح العين النقدية أسئلة عن مآل هذه الدراما وتوجهاتها وخططها". وينتقد صويلح كثرة الأعمال التاريخية "فبعد استهلاك مئات الساعات مما يسمى فنتازيا تاريخية، اتجه صنّاع الدراما اليوم إلى المسلسل التاريخي الذي يحاكي أمجاد الأجداد، من دون أن يتعمق في العصر الذي يرصده المسلسل، فالمهم هو تعقيم تلك الأزمنة من أي شبهة سلبية... الأمر الذي أوقع المشاهد بين نارين: نار الماضي المجيد، ونار اللحظة الراهنة بكل خسائرها وعطبها. فماذا ينفع إن كان أسلافنا أصحاب حضارات ونحن نفكر اليوم بأجرة التاكسي". ويعتقد المخرج عبد الغني بلاط مخرج مسلسل "دنيا" أن "الجو السائد من رقابة سياسية حتّم على الدراما أن تكون جريدة يومية تتكلم على الأشياء بسطحية ولا تدخل في عمقها. لذا نرى الدراما تهرب نحو "التاريخي"، وقد نجحت الدراما السورية بمنافسة الدراما المصرية في هذا المجال". ويرجع المخرج سبب تدهور بعض الأعمال لندرة وجود كتاب حقيقيين وكثرة أولئك الذين يبحثون عن ورشات عمل. هذا فضلا عن انحراف البوصلة الإعلامية نحو الترفيه والتسلية. ويتجلّى مأزق الدراما السورية في نظر الكاتب نجم الدين السمان في أنها لم تعد قادرة على ابتكار شخصيات جديدة ونمذجتها كما فعل قديماً آخرون: "هوليود مثلاً صنعت "الصورة" وصدرتها إلى العالم. أما نحن فلا نقدر على صناعة أي جديد أو تقديم أي نموذج لأننا محكومون برقابة ال22 دولة الأعضاء في جامعة الدول العربية. والأمر الآخر الذي يعوق الدراما الاجتماعية التي تشبهنا عموماً هو أننا لا نقدم إلا صورة مغايرة عن الواقع، نحن نقدم صورة وهمية". الدراما اللبنانية من منظار سوري ولأننا نعيش في مجتمع متشابه وفي بقعة جغرافية واحدة. كان من الطبيعي أن يعكس العمل الدرامي مستويات متقاربة بين لبنان وسورية. إلا أن الواقع مغاير تماماً، فالفرق بين الدراما السورية وتلك اللبنانية كبير جداً ولا مجال للمقارنة بينهما. ولا يخفى عن القارئ تفضيل المشاهد اللبناني للأعمال السورية على تلك المحلية. لذا سيكون من الجيد معرفة رأي بعض الفنانين السوريين بالدراما اللبنانية اليوم، فنظرة تقويمية خارجية تسلط الضوء في شكل جيد على المشكلات الداخلية. يؤكد الكاتب والصحافي لقمان دوركي أن "مستقبل الدراما في الوطن العربي سيكون في لبنان في حال قرر اللبناني القيام بالدراما. فداخل لبنان ثقافة حرة ومناخ وإمكانات مادية تكنولوجية جيدة، إلا أن النقص يكمن في الإمكانات البشرية القادرة على تأسيس الدراما. فالممثل اللبناني جيد كما أن الدراما يجب أن تكون جيدة في مناخ لبناني يفرز أعمالاً مسرحية قيمة ومتنوعة مع زياد الرحباني وروجيه عساف ويعقوب الشدراوي...". ويرى المخرج والممثل سليم صبري أن "لبنان يطبخ الدراما على نار قوية، فأي موضوع يتم تناوله وإنتاجه من دون تركيز على المضمون والفحوى". ويرى أن "الفنان اللبناني لم يع بعد مدى أهمية التلفزيون وتأثيرة كسلاح إلى جانبه، لأنه عندما يدرك أهميته سيقدم ما هو بمستوى المواطن اللبناني ورقيه. ولبنان غني بالمواضيع التي إن جسدت درامياً لهزت العالم العربي كله. ولبنان طالما كان منارة فكرية في الشرق". ويشير الممثل بسام كوسا الى أن "العمل الدرامي في لبنان وليد فترة بعد الحرب ومن المبكر الحكم عليها. وبالتالي على الدراما والمخرج والكاتب والممثل اللبناني أن يقعوا في مراحل فشل ليتعلموا منها فتأتي أعمالهم بعد ذلك صنيع خبرة وتعلم أخطاء سابقة. في الستينات كانت الدراما اللبنانية الأولى قبل السورية وحتى المصرية". بين كل هذه الآراء يخطر في بال كل مشاهد لبناني سؤال أساسي: هل تعكس الدراما اللبنانية فعلاً الواقع اللبناني وتقدم هموم الشباب اللبناني وتطلعاته ومواقفه؟ هل حقاً من المبكر الحكم على الدراما اللبنانية الآن والتلفزيون اللبناني ينعم بجرأة في الطرح وقدرة كبيرة على الإنتاج وعدد لا بأس به من الممثلين وقدرة شراء واسعة للمسلسلات اللبنانية من الفضائيات والمحطات. أما بالنسبة الى الدراما السورية وعلى رغم مشكلات البعض تبقى كما وصفها صويلح: "أكثر الأجناس الإبداعية حضوراً في المشهد الإبداعي السوري". وان لم نقل العربي.