رغب الرئىس الفرنسي جاك شيراك بإضفاء معنى سياسي كبير على زيارة البطريرك الماروني نصرالله صفير لفرنسا، من خلال إعداد استقبال جدير برؤساء الدول له. وأقام شيراك مأدبة غداء على شرف صفير في قصر الاليزيه سبقتها خلوة بينهما استمرت 45 دقيقة، من ثم انضم الوفد المرافق لصفير والمكون من المونسنيور سمير مظلوم والمونسنيور خليل علمان والمونسنيور سعيد سعيد ورئىس البيت اللبناني ابراهيم ضاهر. وحضر الغداء عن الجانب الفرنسي مستشار الرئيس، موريس غوردو مونتانييه واندريه باران والناطقة باسم الرئاسة كاترين كولونا. وقالت كولونا ان شيراك اراد ان يطلع من صفير على انطباعاته عن وضع المسيحيين في لبنان وعن اوضاع البلاد عموماً. وأكد لضيفه اللبناني دعم فرنسا ومساعدتها للبنان في مساره الاصلاحي. وذكرت ان شيراك قلّد البطريرك وسام شرف فرنسياً تعبيراً عن تقديره لمسيحيي لبنان وللبنان. وأشارت الى ان شيراك وصفير أجريا جولة افق تناولت الوضع في الدول المجاورة للبنان اي العراق والاردن وسورية والوضع الفلسطيني. واقتصر تصريح صفير على القول: "ان فرنسا دائماً الى جانب لبنان والرئىس الفرنسي يرى الامور كما هي". وعما اذا كان يؤيد تعديل الدستور اللبناني، أجاب: "نحن قلنا ان اتفاق الطائف اوقف المدفع في لبنان لكن تطبيقه لم يتم كما يجب، وبعد ان يتم تطبيقه يمكن النظر في ضوء ذلك الى الثغرات التي تكون ظهرت، وهذا امر يخص اللبنانيين". وذكر انه طلب من الرئيس الفرنسي، مساعدة لبنان على الصعد التي يمكن لفرنسا ان تساعد فيها، خصوصاً انها نظمت "باريس 1 و2". وعن احتمال عقد مؤتمر "باريس -3"، قال صفير: "ليطبق اولاً "باريس -2" وهذا امر يخص اللبنانيين وليس باريس". وعلمت "الحياة" من مصادر فرنسية مطلعة ان الاهتمام الرئاسي الفرنسي بإضفاء مستوى رفيع جداً على استقبال صفير، خلال وجوده في فرنسا، اذ يقيم وزير الخارجية دومينيك دو فيلبان مأدبة عشاء على شرفه كما يقيم رئىس بلدية باريس برتران دولانويه حفلة استقبال، هدفه التعبير عن لفتة شيراك باتجاه البطريرك الذي يمثل مسيحيي لبنان وأيضاً "العاملين على الارض بشجاعة من اجل الاستقلال والسيادة والمصالحة الوطنية والاصلاح". وقالت المصادر ان شيراك غير مرتاح لعدم تمكن لبنان من الوفاء بالتزاماته تجاه الأسرة الدولية في اطار "باريس -2" وان الجانب السوري كان التزم بالمساعدة على تحقيق هذه الالتزامات، لكنه لم يفِ بوعده. ايمييه والوجود السوري وكان مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية السفير برنار ايمييه عرض خلال ندوة نظمها مجلس الشيوخ الفرنسي الخطوط العريضة التي تحكم تعامل فرنسا مع لبنان، وما تعتبره استراتيجيات واعدة لمستقبل هذا البلد. وقال ايمييه انه على الصعيد السياسي، تعتبر فرنسا ان الاولوية ينبغي ان تعطى لتشجيع المصالحة الوطنية ليضع اللبنانيون طاقتهم في خدمة وطنهم وليس في خدمة هذا الطموح او ذاك. وأكد ضرورة ان يعمل اللبنانيون على مصالحة معمقة تتيح توحدهم جميعاً ايضاً مهما كانت ديانتهم او طوائفهم او اصولهم او طموحاتهم، في مواجهة مستقبلهم. ورأى ان الديموقراطية تشكل مصدر قوة وتمايز لبنان، وينبغي في اطارها فسح المجال في التعبير امام كل القوى السياسية والاجتماعية، لكي يبقى لبنان بلد تسامح واحترام للحريات. وتطرق الى الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، الرئاسية والتشريعية التي تمثل مناسبة للتأكيد ان لبنان يحترم القواعد الدستورية والديموقراطية في شكل كامل، وان ما من انحراف او تجاوز سيحمل على الشك بهذا النهج. وأشار الى ضرورة تأمين المزيد من الاحترام لدولة الحق، وتمكين القضاء من ممارسة عمله وبعيداً من اي ضغوط سياسية، معتبراً ان هذا هو مفتاح المستقبل بالنسبة الى لبنان. وبالنسبة الى الوضع الاقتصادي قال ايمييه ان فرنسا على علم بأوضاع الاقتصاد اللبناني والدين المترتب عليه والصعوبات، وبما قامت به الحكومة اللبنانية منذ عام 2000 لاعادة احلال الثقة ودفع المتأخرات المالية واعتماد ضريبة القيمة المضافة والى ما هنالك. وأضاف: "ان كل هذا اندرج في اطار مجموعة من الاصلاحات عبرت عنها موازنة متقشفة اعتمدت في كانون الثاني يناير الماضي وينبغي بالضرورة تطبيقها ومواصلة الجهد لتطوير الوضع بفضل وحدة اللبنانيين". وشدد ايمييه على ضرورة ما اتفق عليه في اطار مؤتمر "باريس -2" وعلى ان فرنسا اليوم تدعو اللبنانيين جميعاً للعمل معاً والوفاء بالالتزامات ومواصلة الاصلاح، من دون وقف برنامج التخصيص والاستمرار في جهد التسديد الضروري، لأن صدقية لبنان على المحك. وعن الوجود السوري في لبنان اشار الى ان فرنسا تعرف بالطبع نفوذ سورية التقليدي في هذا البلد، وان لسورية مصلحة اكيدة في ان يكون لبنان المجاور لها سيداً ومزدهراً. وقال ان لا بد من اعادة تحديد العلاقات اللبنانية - السورية، للسماح بانسحاب سوري كامل من لبنان وفقاً لاتفاق الطائف ولكل القرارات الصادرة عن مجلس الأمن. وأشار الى اعادة الانتشار السوري منذ حزيران يونيو 2001، داعياً الى المضي قدماً بهذا الاتجاه، "كما لا بد ايضاً من ان يتمكن لبنان من التوصل في الوقت المناسب الى سلام مع اسرائىل، وان يعمل الجيش اللبناني على اعادة احلال سيادته على كامل اراضي البلاد". وأقر بالصعوبات التي قد تعترض هذه المهمة، مؤكداً ان فرنسا مستعدة للمساعدة في هذا الشأن، بما يمسح في وقت من الاوقات بحل قضية المخيمات الفلسطينية الخارجة عن سيطرة الجيش، وتشكل مصدر تهديد امني وعدم استقرار.