البشارة لحل مشكلات العالم ربما تأتي من آسيا الوسطى. والمنطقة التي كادت تكون منسية عند انهيار الاتحاد السوفياتي، ارتفعت اسهمها بسرعة صاروخية بعد حرب افغانستان الاخيرة. وانتشرت القواعد العسكرية الاميركية في كل زاوية منها وتدفقت عليها الاستثمارات الغربية في شكل غير مسبوق. وها هي تستضيف ملتقى لرجال دين يمثلون مختلف الديانات والاقليات المذهبية في العالم، بهدف وضع قواعد جديدة للحوار بين الاديان، في محاولة لتحقيق ما اخفق فيه رجال السياسة لعشرات السنين. تركزت الانظار على العاصمة الكازاخية الاستانة، حيث افتتح امس مؤتمر هو الاول من نوعه جمع الى طاولة واحدة ممثلين عن دول عربية وايران وباكستان مع وفد يهودي كبير ترأسه الحاخام الاسرائيلي الاكبر يونا ماتسفير. كان واضحاً ان موجة البرد التي اجتاحت الاستانة امس، لم تؤثر في الحضور في قصر المؤتمرات. وبدا الرئيس الكازاخي نور سلطان نزاربايف في قمة تألقه بعدما اعتبر نجاح اللقاء انتصاراً كبيراً لديبلوماسيته وحرصه على عدم تفويت الفرصة، فدعا ضيوفه في ختام الجلسة الافتتاحية الى التقاط صورة جماعية قد تغدو تاريخية. وعلى رغم ان كلمات غالبية الوفود تجنبت الاشارة الى الصراعات السياسية، لتركز على أهمية ابراز معاني التسامح الديني ووضع آليات لحوار بين الاديان، سعياً الى تقريب وجهات النظر بدل "صراع الحضارات". إلا ان نزاربايف حرص على أن لا يدع المناسبة تمر من دون ان يسجل "اختراقاً" يحسب له، ما دفعه الى تأكيد "أهمية جلوس ايران واسرائيل الى طاولة واحدة"، كذلك اشارته اكثر من مرة امام الصحافيين الى مصافحة مرت بسرعة قبل ان تسجلها عدسات الكاميرا بين شيخ الأزهر محمد سعيد الطنطاوي وكبير حاخامات اسرائيل. وثمة طرف آخر حرص على استغلال المناسبة سياسياً، اذ وجّه الحاخام ماتسفير دعوة الى جميع الحاضرين لزيارة القدس. وحتى لا يفهم خطأ، قال ان الدعوة "تشمل الجميع بمن فيهم الوفود التي لا تربط بلادها باسرائيل علاقات ديبلوماسية". واللافت، ان مؤتمر حوار الاديان في الاستانة جاء بعد تحضيرات واسعة. وهو يعد نسخة موسعة عن مؤتمر السلام والتسامح الذي استضافته العاصمة الكازاخية السابقة في شباط فبراير الماضي. ويرى كثيرون ان كازاخستان تسعى الى القيام بدور يتجاوز حدود نفوذها الاقليمي وهو ما بدا واضحاً من خلال ترشيحها لتكون مركزاً لمنظمة دولية اجمعت الوفود على اهمية تأسيسها لتتولى الاشراف على الحوار بين الاديان. وفي حال الاتفاق على هيكلية للمنظمة الجديدة، ستكتسب الجمهورية السوفياتية السابقة التي تطلق عليها تسمية "تقاطع الحضارات" بسبب تنوع الاصول الدينية والقومية لمواطنيها، اهمية جديدة تتجاوز كثيراً حدود آسيا الوسطى. ويربط كثيرون بين "مبادرات" الرئيس نزاربايف وتنامي الدور الاميركي في المنطقة، خصوصاً ان كازاخستان غدت احدى اهم مناطق نفوذ الولاياتالمتحدة في الاتحاد السوفياتي السابق.