نزل زوار مدينة حلب الأجانب من تجار وقناصل وعائلات أوروبية في خاناتها التي عدّت بمثابة فنادق من الدرجة الأولى منذ حوالى 500 عام، حيث وفرّت لهم طيب الإقامة في الغرف والأجنحة التي يضمها الطابق العلوي من الخان. واستقبل بعضها النزلاء في فترات لاحقة متباعدة بعد أن انصرف التجار الأجانب عن حلب بسبب فقدانها مكانتها التجارية منذ قرنين ونصف قرن من الزمن. ولا تزال الخانات تختص بالدور ذاته في تبادل السلع والبضائع، وإن على نطاق أضيق، وكذلك استقبال زوارها الأجانب ولكن كسيّاح غير مقيمين فيها، باعتبارها محطة تاريخية مهمة لا غنى لقاصدي حلب عن زيارتها. ويدعو التجار شاغلو هذه الخانات أصحاب رؤوس الأموال للاستثمار في الخانات بتحويلها إلى فنادق يمكن أن تستقطب أعداداً كبيرة من محبي الأحياء والأسواق القديمة التي تفوح بعطر الشرق وأصالته، بعد نجاح تجربة استثمار البيوت العربية التقليدية كمطاعم وفنادق من فئة النجمتين والأربع نجوم، وبعضها يقع في جوار الخانات مثل "دار حلبية". ويقول محمد رضوان حلاق، تاجر أقمشة في خان التتن الكبير الواقع في زقاق التتن في منطقة الأسواق القديمة والذي أُنشئ منذ ثلاثة قرون ومؤلف من طابقين يضمان 24 غرفة تشغلها مكاتب ومستودعات الألبسة الجاهزة: "رممنا بعض أجزاء الخان بصفتنا مستثمرين له منذ مدة طويلة ليلبي بعض الخدمات الأولية، وتلزمه أعمال صيانة وترميم قبل تحويله إلى فندق لا سيما في الطابق العلوي الذي كان مخصصاً لإقامة الزوار الأجانب". وقدر حلاق قيمة الخان ب100 مليون ليرة سورية مليوني دولار، اضافة إلى الأموال اللازمة للترميم وفرز الملاحق الضرورية الخاصة بالفندق. وأشار إلى وجود خانات استطاعت الصمود في وجه عاديات الزمن وتصلح للاستثمار مثل خان البنادقة والحرير والجمرك. وطالب مديرية الأوقاف التي تمتلك بعضها، ومديرية الآثار والمتاحف بترميم الخانات الآيلة إلى السقوط والتي تعود ملكيتها إلى القطاع الخاص مثل خان التتن الصغير "لأنها ثروة وطنية لا ينبغي إهمالها وتركها تواجه مصيرها بنفسها". وأيّد جودت صفقلو، مالك ورشة ألبسة في خان العلبية، فكرة الاستفادة من الخانات كفنادق لإقامة السيّاح الأجانب "لما تشتهر به من زخارف ومقرنصات بديعة وأقواس عالية صلدة وواجهات مزركشة تسترعي اهتمام زوارها الأجانب الذين يقصدونها باستمرار في جولاتهم السياحية". وأشار إلى دراسة جدوى يعدها أحد المستثمرين لهذا الغرض، وتوقع أن يتهافت المستثمرون على الخانات "بعد أن تطبق الفكرة للمرة الأولى وتظهر، بالتالي، محاسنها الكثيرة على أرض الواقع". الخانات ضرورة تجارية الخان عبارة عن بناء ملحق بالأسواق مؤلف من طابقين، العلوي مخصص للإقامة والأرضي لممارسة عمليات البيع والشراء ضمن حوانيته ويشغل وسطه باحة فيها مسجد للصلاة. وتشرف الخانات على الأسواق مباشرة ببواباتها المصنوعة من الخشب والمصفحة بالنحاس والحديد. تحوي حلب اثنين وعشرين خاناً أثرياً في الوقت الحالي، من أصل 67 خاناً كانت موجودة في منتصف القرن الثامن عشر. ومن أشهر خاناتها الباقية خان الجمرك الذي بني العام 1574 واعتبر بمثابة منطقة تجارية حرة لتبادل السلع والمنتجات في الفترة العثمانية، لكن دوره تراجع بعد ترسيم الحدود بين الدول وفرض الرسوم الجمركية. وهو يحوي 77 مخزناً علوياً و50 مخزناً أرضياً، بالاضافة إلى اصطبل وقيسارية تحوي 23 دكاناً، ليعد بذلك من أكبر الخانات في حلب. ولا تزال الحركة التجارية التي تشهدها حوانيت خان الجمرك حالياً تشهد على مكانته التجارية. وقد سكنه التجار الفرنسيون والانكليز والهولنديون منذ تأسيسه. ويليه من حيث الحجم خان الوزير الذي بني بعده بمئة عام ويمتاز بزخارفه ورقوشه الرائعة، ويصلح للاستثمار السياحي اذا رُممت اجزاء منه. وأُنشئ خان النحاسين في النصف الاول من القرن السادس عشر. ويشتهر طابقه العلوي، الذي سكنه التجار الطليان، باحتوائه على قنصلية البندقية التي تعتبر اقدم قنصلية في الشرق ويعود زمن بنائها الى العام 1548. وصمم طرازه المعماري ليعكس تصاميم ابنية فينيسيا البندقية في ايطاليا. واستثمرت وزارة السياحة السورية خان الشونة ابن الخمسمئة عام تقريباً بافتتاح مطعم وكافيتيريا داخله وتحويل دكاكينه الأربعين الى سوق للحرف اليدوية تعرض فيها مشغولات مصنوعة بإتقان تروج لمهارات الحرفيين والصنّاع الحلبيين امام زوار المدينة. وكانت عائلة ماركو بولي الايطالية التي حظيت بشهرة واسعة في التجارة، استثمرت الخان لاعمالها التجارية منذ ما ينيف على قرنين من الزمن. أما أقدم الخانات فيرجع الى الفترة المملوكية الممتدة بين سنتي 1260 و1516 لكنها تفتقر إلى غرف الاقامة في الطابق العلوي كما هي الحال في خانات الفترة العثمانية التي تلتها مباشرة. وتحوي حلب ثلاثة خانات مملوكية هي خان الصابون خان ازمرد والقصابية ابرك وخاير بك، والأخير بني في بداية القرن الثالث عشر وتحول جزء منه الى فندق مع بداية القرن العشرين.