مايكل مور، الذي يعرف الآن اكثر وأكثر، عالمياً، بلقبه الجديد "القناص"، يخبط في فرنسا اليوم من جديد، ولكن في عمل قديم له يحمل من الجدة والقوة ما يعجز أياً كان عن اعتباره قديماً. والعمل الذي نعنيه هنا تلفزيوني هذه المرة، وليس سينمائياً، وان كانت له، عموماً، كل خصائص انجازات صاحب "بولنغ لكولومباين" السينمائىة، من الناحية الفنية، في الوقت الذي يتمتع، من الناحية الاستفزازية والسياسية بكل ما ميز صاحب عبارة "عار عليك يا سيد بوش" الشهيرة، طوال سنوات نضاله ضد المؤسسة الحاكمة الاميركية. العمل الذي تعرضه شبكة "بلانيت" الفرنسية العالمية طوال ايلول سبتمبر الجاري، وصولاً الى الثاني من تشرين الاول اكتوبر المقبل، في حلقات يومية يبلغ عددها 24 حلقة، عنوانه "الحقيقة المريعة" وان كان العارضون الفرنسيون اختاروا له عنواناً آخر هو "اميركا مايكل مور". ولد هذا العمل في مخيلة مايكل مور عام 1999، أي قبل تحقيقه اعماله الكبرى التي عرَّفت العالم به. اما الفكرة الاساسية فقد فرضها عليه ما رصده من ان المشكلة في اميركا ليست فقط ما يحدث، ولكن ايضاً وبخاصة، في الاعلام الذي يبلغ الناس بما يحدث... وهي فكرة ظلت ماثلة لديه حتى اعماله الاخيرة، اذ يلاحظ النقاد ان فيلمه الاخير "بولنغ لكولومباين" لم يكن عن تجارة السلاح والعنف، بقدر ما كان فيلماً عن الهذيان الاميركي الجماعي العام من حول الاعلام الذي تناول ذينك الامرين. ومور، كناشط سياسي وصحافي وكاتب وسينمائي، رأى ان من واجبه ان يكشف الحقائق، اعلامياً، وبخاصة اذا كانت هذه الحقائق مريعة. وقبل ذلك بخمس سنوات كان "المشاكس البدين" قد كرس سلسلة تلفزيونية للحديث عن الاعلام، لكنه اذ لاحظ ان ما حققه "لم يسهم في احداث اي تبديل في الامور"، بدأ يعد "الحقيقة المريعة"، قائلاً: "طالما ان النظام يبقى هو هو، لماذا لا نلعب معه وبه، ونستفيد منه بدورنا لكي نلهو بعض الشيء". وهكذا، انطلاقاً من "رغبة اللهو" هذه ولد المسلسل. وهو عبارة عن تحقيقات صورها فريق سمى نفسه "جمهورية شعب التلفزيون الديموقراطية" تحت اشراف مايكل مور، ويرصد فيها الكثير من شؤون المجتمع وشجونه. وتقطع هذه التحقيقات سلسلة من الاستفتاءات الساخرة "التي يغلب عليها" بحسب الصحافة الفرنسية التي رحبت بالعمل ككل "طابع احمق مثير للفضول والسخرية في الآن معاً". ومن هذه الاستفتاءات مثلاً واحد يفيد ان 88 في المئة من ناخبي جورج بوش لا يفهمون كلمات اغاني "الراب"، وان 70 في المئة من الاميركيين لم تكن لهم، ابداً، علاقة عاطفية مع اي عضو في الحزب الجمهوري. غير ان الحلقة الاطرف في السلسلة كلها هي تلك التي يحمّل فيها مايكل مور فوق شاحنة، كتب على اطرافها: انتبهوا يوجد مثليون على هذه الشاحنة، عدداً كبيراً من هؤلاء المثليين، ويروح متجولاً بهم في 19 ولاية اميركية، لا تزال - بحسب احصاءات المسلسل - تعتبر الشذوذ جريمة يعاقب عليها القانون. اذاً، بقديمه هذا، يخبط مايكل مور من جديد، مذكراً ايانا ان افلامه مثل "روجر وأنا" و"بولنغ لكولومباين"، وكتبه مثل "رجال بيض حمق" لم تكن صدفة، ولا ضربة حظ لرجل مشاكس، بل جزءاً من مشروع فكري وفني طويل يشتغل عليه مايكل مور مثل... قناص وحيد.