يعيش السودان فصلاً جديداً من الكوارث الطبيعية تضيف عبئاً على الدولة المنهكة بالحرب، اذ اجتاحت الفيضانات والسيول شرق البلاد ووسطها وشمالها، مما أدى الى "نقص في الانفس والاموال والثمرات". وصار مئات الآلاف يفترشون الارض ويلتحفون السماء، ويبحثون عن خيام تقيهم من الامطار التي لا تتوقف، وامصال ضد لسعات العقارب والثعابين التي باتت تهدد حياتهم بعد خروجها من احجارها ومخابئها. "النهر المجنون" هو الاسم الذي أطلقه مهندسون ايطاليون وهولنديون على نهر القاش بعدما فشلوا في اقامة سدود تحمي مدينة كسلا السياحية المتاخمة للحدود الاريترية من شروره، فأحال "عروس الشرق" الى اطلال وبقايا وذكريات. نحو 90 في المئة من اهالي كسلا في شرق السودان البالغ عددهم 400 الف نسمة صاروا بلا مأوى وطلبوا من السلطات توفير امصال تقيهم من لسعات العقارب والثعابين التي اخرجتها المياه من جبال التاكا الساحرة، وذلك قبل مطالبتهم بالغذاء والمياه الصالحة للشرب. وهم يعانون من المياه التي تجري من تحتهم بفعل الفيضان الذي غدر بهم والامطار التي تنهمر عليهم مدراراً من السماء. اذ لم تستطع السلطات توفير سوى بضع عشرات من الخيام. ثلاثة احياء من اصل 24 حياً تتألف منها المدينة وبعض الجيوب مثل جامعة كسلا هي التي نجت من الانهيار، وصارت ظلاً ومأوى للاطفال والشيوخ. اما الشباب فيسهرون على حراسة الامتعة والمعدات الكهربائية و"الثلاجات" واجهزة التلفاز التي اكتظت بها شوارع المدينة، والمئات يتدافعون على صنابير المياه المحدودة للحصول على مياه صالحة للشرب، و"كسرة الذرة" هي الطعام الوحيد بعد انهيار مخابز المدينة. والمستشفى صار اطلالاً والصيدليات ذهبت مع النهر من حيث اتى من اريتريا. كسلا او "عروس الشرق" كما يحلو لأهلها تسميتها في محنة لم تشهد مثلها الا عندما هاجمتها المعارضة المسلحة العام 2000 فأوقعت نحو 50 قتيلاً من اهلها، وقبل ان تضمد جراحها اجتاحها "النهر المجنون"، حتى ردد بعض عشاقها انها "مدينة مسحورة". ويبدو ان الحكومة اعترفت ان حجم الكارثة اكبر من امكاناتها فأعلنتها منطقة كوارث، وقاد الرئيس عمر البشير بنفسه حملة لإنقاذها واجرى اتصالات هاتفية مع قادة الحكم في بعض الدول العربية طالباً العون والنجدة وبدأ العون يتدفق. كما تشهد مدن ربك وكنانة في ولاية النيل الابيض، وقرى وسط ولاية الجزيرة والمناقل، والدبة في شمال البلاد فيضانات وسيول ادت الى مقتل بضعة مواطنين وانهيار مئات المنازل والمرافق العامة. وبات نهر النيل الذي يتجه من شمال الخرطوم الى مصر يهدد كل مناطق الشمال التي ابتلعها العام 1988 ومحاها من الوجود. ويهدد النيلان الابيض والازرق اللذين تتدفق مياههما من اثيوبيا واوغندا قبل ان يتعانقا في الخرطوم كل سكان المناطق القاطنين على ضفتيهما. وعقد مجلس الوزراء اجتماعين طارئين برئاسة البشير لاتخاذ الاجراءات التي تخفف من هيجان النيل حتى لا تتكرر المآسي التي خلفها اعوام 1946 و1998 و1992 وما زالت آثارها باقية. ويخشى ان تخنق السيول والفيضانات الخرطوم بعدما جرفت المياه الطريق القومي الذي يربط العاصمة بمدينة بورتسودان على ساحل البحر الاحمر، وهي الميناء الوحيد الذي تعتمد عليه البلاد في صادراتها ووارداتها.