أي دار نشر وأي روائي سيفوزان يوم 23 تشرين الأول اكتوبر بجائزة "الأكاديمية الفرنسية"، ويوم 27 بجائزتي "فيمينا" و"مديسيس" ويوم 3 تشرين الثاني نوفمبر بجائزة "غونكور"؟ مع انطلاقة الموسم الأدبي، واقتراب توزيع الجوائز الأدبية ما فتئ هذا السؤال يتكرر على أقلام النقاد الصحافيين، وما فتئت تحتد المزايدات والتكهنات و"مؤامرات" الكواليس على صفحات الملاحق الأدبية وفي البرامج الأدبية على قنوات التلفزيون الفرنسي. بيد أن جائزة "غونكور" تبقى بلا منازع أهم جائزة أدبية فرنسية على الإطلاق. وتكتسي هذه السنة أهمية بالغة كونها تصادف الذكرى المئوية لتأسيسها على يد الأخوين غونكور، إدمون وجيل دي غونكور. وهما ابتكراها لمكافأة عمل أدبي أو فكري مكتوب باللغة الفرنسية وله مميزات العمل الخلاق. منذ الجائزة الأولى التي منحت عام 1903 للكاتب جون أنطوان نو، تتويجاً لروايته "قوة عدوة" الى الرواية الفائزة قريباً ثمة تاريخ بأسماء، وثمة صراعات ونصوص بعضها في مستوى جيد والبعض الآخر اختير محاباة لهذا الناشر أو ذاك الكاتب. وفي هذه المناسبة ينتظر النقاد أن تعمل اللجنة على تلميع صورة الجائزة بإحداث مفاجئة ونادرة، كأن تمنح الى روائية في قائمة النساء، مارغريت ديراس هي آخر من أحرز الجائزة، أو تتوّج دار نشر صغيرة أو غير معروفة، أو تعطى لكاتب برهن على مستوى المبيعات والتغطية الصحافية على أحقية كتابته. وفي هذا الشأن يأتي ذكر الروائي ميلان كونديرا صاحب رواية "الجهل" التي كتبها بالفرنسية مباشرة مبرهناً على أنه باللغة الأم أو بلغة التبني الفرنسية، يبقى الكاتب بامتياز. لكن الآلة الإعلامية المكتوبة، المسموعة والمرئية، بنفوذها وسلطاتها الخفية شرعت منذ مدة في دق الطبول والتزمير لبعض الأسماء التي التف ما يشبه الإجماع بأحقيتها في الجائزة. وفي مقدّم هذه السماء يأتي الروائي الشاب فريديريك بيجبيدير. وهو، قبل أن يتولى مسؤولية التحرير في دار النشر فلاماريون، نشّط برنامجاً أدبياً على قناة "باري بروميير". لكنه تحول الى نجم بعد صدور روايته ما قبل الأخيرة في عنوان "99 فرنكاً" التي بيع منها أربعمئة ألف نسخة. في مدرسة الإثارة والاستفزاز يقف فريديرك بيجبيدير على خط الكاتب ميشال ويلبيك قائد الحملات والتهجمات وبخاصة على الإسلام والمسلمين. ابتداء من 28 حزيران يونيو، أعطى فيليب سوليرز شارة البدء مرشحاً بيجبيدير وتلاه بيار أسولين المشرف على المجلة الشهرية الأدبية النافذة "لير". ثم بيرنار بيفو هذا الأسبوع في الصحيفة الأسبوعية "لو جورنال دي ديمانش"، لترشيح بيجبيدير للجائزة. "ان فاز فيجبيدير بالجائزة، فهذا برهان على أن لجنة التحكيم ألعوبة في يد الإعلام"، يقول أحد النقاد. لن يفوز الكاتب الجزائري ياسر بن ميلود بجائزة الغونكور كما حصل للطاهر بن جلون أو أمين معلوف العربيين، لكن روايته الصادرة عن منشورات غراسي "الله نجماً أكبر" حظيت بتغطية إعلامية جيدة. وقبل أن يكشف عن اسمه الكامل، وقّع ياسر بن ميلود مقالاته الصحافية ونصوصه الروائية، بأسلوبه القادح الساخر، بحرفي اسميه الأولين ي - ب Y-B. ويرجع هذا التكتم الى أيام اشتغاله في صحيفة "الوطن" الجزائرية وخوفه من الاغتيال على يد الجماعات المسلحة التي صفت الكثير من الصحافيين والكتّاب في عز العنف المسلح في التسعينات وجلبت عليه مقالاته مضايقات عدة غادر على أثرها الجزائر ليستقر في فرنسا. تحكي روايته الجديدة قصة شاب جزائري ينحدر من ضاحية إيفري، ويحلم أن ينجح في الحياة مثل الفكاهي المغربي جمال الدبوز. ترصد الرواية مظاهر البؤس والعنف والتطرف النامية في الضواحي، والتي أصبحت بمثابة أحزمة للفقر. في غمرة هذه المزايدات لم يهتم الإعلام الفرنسي بالجائزتين اللتين أحرزهما الشاعر فيليب جاكوتيه: جائزة "موناكو" وجائزة "أميرة هانوفر"، وهما توجتا نتاجه الشعري المفعم بلغة شعرية هي سليلة الأرض وأغراضها البدائية. فيليب جاكوتيه، السويسري الأصل، البالغ من العمر 78 سنة يقيم في باريس منذ 50 سنة ومن أهم دواوينه: "الجاهل" 1958، "أناشيد سفلية" 1974، "بعد سنوات" 1994. الشاعر ألن فينشتاين حاز بدوره هذا الأسبوع جائزة "الشعر الكبرى". أطلق فينشتاين البرنامج الأدبي الشهير "الليالي المغناطيسية" على أمواج إذاعة "فرانس كيلتير" ويقدم اليوم في المحطة نفسها برنامج "من يوم لآخر". له الكثير من النصوص الشعرية - الروائية منها: "تكرار على الحطام" 1974، "مرة واحدة ذات يوم" 1988، "أجساد سفلية" 1979، "طابت أماسيكم" 2001. وعلى رغم مجهودات واضحة ومحاولات للرفع من شأن الشعر، يبقى هذا الأخير يتيم الثقافة في الإعلام الفرنسي.