لم ينجح الأداء الجيد الذي تميز به رئيس الوزراء البريطاني توني بلير جلال مثوله أمام لجنة هاتون التي تحقق في ظروف انتحار خبير الاسلحة ديفيد كيلي، أول من أمس، في تخفيف حدة الانتقادات لحكومته وفريق عمله، وأكد آخر استطلاع للرأي ان الثقة به تدنت الى ادنى مستوى منذ سنوات، مما دفع مستشاره الاعلامي الستير كامبل الى تقديم استقالته، في أزمة قد لا تنتهي عند هذا الحد. قدم أمس الستير كامبل المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير استقالته في اعقاب انتقادات تعرضت لها الحكومة بعد انتحار خبير الاسلحة ديفيد كيلي واتهامات وجهتها وسائل الإعلام بتضخيم خطر أسلحة الدمار الشامل العراقية لتبرير المشاركة في الحرب على العراق. وقال كامبل في بيان انه سيستقيل من منصبه في غضون اسابيع، ويفكر في العودة الى الكتابة والمشاركة في الندوات "ولا يفكر في شغل أي وظيفة عامة في المستقبل". واضاف انه "يفتخر بالفترة التي عمل فيها الى جانب بلير في المعارضة والحكم في آن معاً، وأن التاريخ سيحكم على الدور الذي لعبه رئيس الوزراء في هذه المرحلة". وتابع انه وزوجته، فيونا ميلار، التي تعمل مستشارة لشيري بلير، زوجة رئيس الوزراء، وأسرته دفعوا ثمناً غالياً للضغوط التي تعرض لها، موضحاً أن فيونا ستستقيل أيضاً من عملها في غضون أسابيع. وأثنى بلير على مستشاره المستقيل وقال إنه "قدير وشجاع، وعمل باخلاص للأفكار التي يؤمن بها". وكان أعلن أمام لجنة التحقيق ان كامبل "كانت لديه الصلاحيات لاستخدام اللغة التي يراها مناسبة لاضافتها الى التقرير عن ملف أسلحة الدمار الشامل العراقية من دون ان يتخطى المضمون الذي قدمه جهاز الاستخبارات البريطانية في هذا الشأن". وكان كامبل أصر على ان يتضمن التقرير معلومة تم استقاؤها من عميل عراقي برتبة جنرال لم يكشف اسمه تؤكد ان بإمكان بغداد "تجهيز سلاحها الكيماوي والبيولوجي في فترة لا تتجاوز 45 دقيقة" ليبدو أكثر قوة ويكسب تأييد الرأي العام البريطاني للحرب. ومنذ أدلى وزير الدفاع جيف هون بشهادته أمام اللجنة الاربعاء الماضي وألقى مسؤولية القرار المتعلق بكشف هوية كيلي أمام وسائل الاعلام على رئاسة الوزراء، بات واضحاً أن مسؤولين كباراً في مكتب بلير سيدفعون الثمن بعد ان افترضت تقارير إعلامية ان الضغوط التي مارسها كبار موظفي وزارة الدفاع على كيلي ربما دفعته الى الانتحار. وكشف كامبل انه كان ينوي ترك منصبه في الصيف لكن الأزمة مع العراق وتطوراتها اجبرته على اعادة النظر في قراره. واضاف "والآن اعطيت رئيس الوزراء قراري بعد ان اتفقت معه على اتخاذ خطوة من هذا النوع في السابع من نيسان ابريل الماضي". وأجلت لجنة التحقيق أعمالها حتى الاثنين المقبل لاستكمال الاستماع الى شهادات جديدة ابرزها تلك التي ستدلي بها زوجة كيلي وربما احدى كريماته. وعلى رغم ان بلير اعترف ب"شراسة كامبل وسهولة حصوله على اعداء" فقد أكد ان "الذين يعرفونه عن قرب يعتبرونه اصدق الاصدقاء واحبهم". وتبارى قادة الاحزاب البريطانية المعارضة في توجيه الانتقادات الى بلير، وقال ايان دانكن سميث زعيم حزب المحافظين ان رئيس الوزراء "يجب ان يشعر بالعار لما حصل للدكتور كيلي". وقال جون كينيدي زعيم الحزب الديموقراطي الليبرالي "لو كان النواب يعرفون ان بلير تصرف بهذا الاسلوب لما أيدوا قراراً بشن الحرب على العراق". وكان استطلاع للرأي نشرت نتائجه أمس أفاد أن أكثر من نصف البريطانيين لا يثقون ببلير. وأوضح الاستطلاع الذي اعده معهد "يوغوف" ونشرت صحيفة "دايلي تلغراف" نتائجه ان 59 في المئة من البريطانيين يرون ان بلير لم يعد جديراً بالثقة في مقابل 27 في المئة يرون عكس ذلك. ونفى رئيس الوزراء البريطاني اثناء تقديم شهادته الخميس ان يكون أقدم على أي تلاعب بملف الحكومة حول الاسلحة العراقية، مؤكدا انه لو حدث أي تلاعب لكان قدم استقالته. وبحسب الاستطلاع فإن 47 في المئة من الذين شملهم تراجع تقديرهم لبلير منذ بدء التحقيق حول وفاة كيلي وهي نسبة تصل الى 54 في المئة بشأن وزير الدفاع جيف هون. وأكد 36 في المئة ان لديهم انطباعاً جيداً عن هيئة الاذاعة البريطانية التي بثت التقرير عن تلاعب الحكومة بالملف. وعن الحكومة بكاملها رأى 22 في المئة أنها "كانت نزيهة وجديرة بالثقة" بتراجع نقطتين مقارنة مع تموز يوليو قبل بدء التحقيق حول وفاة كيلي. لكن المعارضة المحافظة تبدو عاجزة عن استغلال صعوبات الحكومة العمالية حول الملف العراقي وتقدمت شعبيتها بنقطة واحدة فقط مقارنة مع الشهر الماضي. وأعلن 37 في المئة من البريطانيين أنهم سيصوتون لحزب العمال في حال نظمت الانتخابات غدا، وهي النسبة ذاتها المسجلة الشهر الماضي، في حين يدعم 35 في المئة الحزب المحافظ في مقابل 34 في المئة في تموز يوليو. وشمل الاستطلاع عينة تمثيلية من 2365 راشداً.