فرضت عمليات التجميل حضورها بين الشباب السوري كضرورة مثل كثير من الأشياء والعادات التي تسللت إلى المجتمع لتتحول تدريجاً إلى حاجة لا غنى عنها. الأمثلة لا تكاد تحصى وتبدأ ربما بجهاز "الخلوي" الذي نظر إليه كثيرون عند دخوله سورية قبل نحو 5 سنوات على انه "تقليعة" وواحد من مظاهر الترف و"البرستيج"، خصوصاً في ضوء سعره المرتفع مقارنة بمعدلات الدخل. والأمر ذاته يتكرر في انتشار نوادي بناء الأجسام ورياضات الأيروبيك وصولاً إلى عمليات التجميل. يقول د. هيثم 31 عاماً: "عمليات التجميل حديثة العهد نسبياً في مجتمعنا إلا أنها مع ذلك تنمو سريعاً، الشباب من الجنسين مقبلون على إجراء تغييرات في ملامح وجوههم تبدأ بعمليات الأنف، وهي الأكثر انتشاراً، وتشمل تكبير الشفتين ورفع الحاجب وحشو الوجنتين والصدر بالسليكون". ويضيف: "كان هذا النوع من العمليات مستهجناً ومحصوراً بالشرائح الميسورة والغنية، لكن مع انتشاره على نطاق واسع في الدول المجاورة، وانخفاض تكاليف إجرائه نسبياً، انتقل الإقبال عليه إلى سورية وتحول إلى ما يشبه "الموضة" حيث بات يشغل الكثير من الشباب". والواضح ان اللهاث وراء الشكل الأكمل هو الدافع الأساسي وراء إجراء عمليات التجميل، على ما تؤكده فاتن 30 عاماً التي أجرت جراحة لتجميل الأنف في العام الماضي. وتضيف فاتن: "كانت الفكرة تراودني منذ سنوات عدة لكنني كنت أخاف من أي خطأ طبي قد أندم عليه طوال عمري، وهكذا أجلت الموضوع مراراً إلى أن أجرت قريبة لي عملية تجميل أنف جعلتها في شكل مختلف تماماً فتبعتها فوراً ومن دون تردد". سعاد 26 عاماً أقدمت بدورها على عمل تجميلي مزدوج فضيقت من فتحات الأنف أولاً ثم أجرت شداً لجفنيها حتى "وصلت إلى الشكل الذي أردته تقريباً". تقول: "لم أتردد أبداً في إجراء التجميل بعد انتشاره السريع وظهور أطباء "شاطرين" بالفعل". وتضيف سعاد التي تعيش في صحنايا، إحدى ضواحي دمشق: "لا أنكر أنني أجريت العملية، ولا أجد في ذلك أي حرج... بالعكس الأمر لا يختلف عن وضع الماكياج أو تخفيف الوزن برأيي، فضلاً عن أن الأصدقاء والمعارف يعرفون شكلي قبل وبعد إجراء التجميل". لكن الأمر لا يبدو بهذه البساطة لدى معظم الفتيات اللواتي يجرين العمليات التجميلية، بل أن بعضهن ينكر إجراءها، مكابرة أو خجلاً، وخصوصاً في الأوساط الريفية والمحافظة، ويزداد الأمر تعقيداً في العمليات المتعلقة بشفط دهون البطن والوركين وتكبير أو تصغير الصدر. وتقول س. ع. 27 عاماً: "أجريت عملية تكبير صدر قبل 6 أشهر لكن قليلاً من صديقاتي يعرف بالأمر حتى انني أخفيت الموضوع في البداية عن أهلي الذين يعيشون خارج دمشق"، وتضيف الفتاة التي تعمل في أحد مكاتب السياحة: "الشكل الخارجي جزء أساسي من عملي وقد احتكيت بكثير من الزميلات اللواتي شجعنني ونصحنني بإجراء العمل الجراحي الذي حسن كثيراً من مظهري". بين الحاجة والترف ويتفاوت الإقبال على إجراء الجراحة التجميلية بين الحاجة والاضطرار أحياناً كما في حالات الحروق والتشوه أو تحسين عيب في الشكل وتقويمه، وصولاً إلى الترف واللحاق بأشكال نجوم السينما والمشاهير في العالم. الحال الأولى تجسدها ربما منار 23 عاماً التي وجدت في جراحة التجميل حلاً لمشكلة أنفها الطويل والمدبب فلم تتردد للحظة لدى توافر الإمكانات المادية لديها في تغييره، وتقول: "طلب الطبيب إجراء صورتين ملونتين أمامية وجانبية لأنفي، وأدخلهما أمامي الى الكومبيوتر وبدأنا معاً في إجراء التغييرات النظرية وصولاً إلى الشكل الذي أعجبني". وتضيف منار التي تعمل معلمة في التعليم الأساسي: "أنا لا أحبذ إجراء الجراحة ولست قادرة أساساً عليها، لكن حالي أجبرتني على ذلك والحمد لله بت ألاحظ الفارق يومياً في أعين الناس بين ما كنت عليه وما أنا عليه الآن". لكن الموضوع المادي لم يبق عائقاً صعباً كما تؤكد كثرة من الفتيات اللواتي أقدمن على عيادات التجميل، فعلى رغم التكلفة الكبيرة نسبياً مقارنة بالراتب الشهري إلا أن الواحدة منهن تستطيع أن تتدبر أمورها، كما تقول شذى 27 عاماً التي تعمل في مجال الإخراج الطباعي: "عندما أجريت عملية تكبير الشفتين أخبرني الطبيب أن تكاليف العملية نفسها تراوح بين 12 و40 ألف ليرة وعلى يدي الطبيب نفسه، لذلك تستطيع الواحدة أن تجريها في مستشفى أو مركز طبي صغير بأرقام مخفوضة أو في مستشفى حديث ومتقدم بأجور عالية". الرأي نفسه تؤيده فريال التي تشير إلى أنها تدبرت أمرها بأخذ قرض بسيط من المصرف تغطية لنفقات عملية التجميل في الوجنتين. سناء 31 عاماً تشكل نموذجاً مختلفاً لما سبق، فإجراء التجميل بالنسبة اليها كان نوعاً من التغيير والقضاء على الرتابة والملل الذي تعيشه. وتقول الشابة الموظفة في إحدى الشركات الأجنبية العاملة في سورية: "كنت مخطوبة على مدى عام كامل لم أهتم خلالها كثيراً بشكلي ومظهري الخارجي. العمل كان جزءاً أساسياً من حياتي اليومية وقد حققت فيه نجاحات كبيرة، لكني فجأة صحوت على انفصالي عن خطيبي لأسباب بدت لي تافهة في البداية لكنها في الواقع ليست كذلك خصوصاً بنظر الطرف الآخر". وتضيف سناء التي تنتمي إلى أسرة ميسورة وتحصل على دخل مرتفع نسبياً 20 ألف ليرة شهرياً: "اتجهت بعد تلك الأزمة إلى الاهتمام بنفسي بل وأسرفت بهذا الجانب إلى درجة التفكير بتغيير شكلي الذي لا ينقصه شيئاً كما يقول أهلي وأصحابي". التغيير لدى سناء طال شكل الشعر ولونه والخضوع لجراحة ليزرية للعين استغنت خلالها عن النظارات الطبية لتصل إلى عيادة جراحة الأنف بحثاً عن شكل وربما عن "كاريزما" جديدة كما تقول، مضيفة باستهزاء: "في الواقع لست مسرورة كثيراً من شكل أنفي الجديد لأنني أساساً لم أعان من بشاعة سابقة، لكنني أواكب الآن ما يجري وربما اضطر لعمليات تجميل أخرى في المستقبل القريب". سمر 22 عاماً تبدو أكثر جرأة في تعاطيها مع مواضيع التجميل والاعتناء بمظهرها، فهي تنتمي إلى أسرة ثرية، وخبرت عمليات التجميل مبكراً من خلال إقبال والدتها وشقيقتها الكبرى على هذه العمليات في الخارج. وتقول سمر الطالبة في كلية الآداب: "أجد نفسي مولعة بكل ما يتعلق بالتجميل وقد أخضعت نفسي العام الماضي لتجميل في الأنف ليشبه أنف النجمة العالمية كاترين دونوف كما أجريت رسماً وشماً للحاجب وأطبق على جسدي حمية قاسية خشية زيادة الوزن كما أمارس بانتظام الجري والسباحة والرقص الغربي". وترى سمر أن "الجمال صفة ملازمة للأنثى يجب المحافظة عليها والسعي وراء الجديد ولو اقتضى الأمر تدخل مبضع الجراح"، مؤكدة أنها لن تتردد في إجراء أي عمليات أخرى إذا تطلب الأمر ذلك "لكن الأمور الآن تمام التمام!". أنظر الى أنفي بكره شديد! لم يخطر ببالي يوماً أنني سأخضع لعملية تجميل، ولا يعني ذلك أنني كاملة القوام والمظهر، كل ما هنالك إنني كنت مقتنعة تماماً بشكلي بل وارتبطت بعلاقة رضى تامة مع جسدي، تبلغ ذروتها عندما أسمع كلمات الإطراء من زملائي في الدراسة ثم العمل، وأبلغ درجة التباهي عندما أشاهد نظرات بعضهم ترمقني، مما يشبع غروري على رغم ادعائي الكاذب بالانزعاج من هذا السلوك. علاقتي العاطفية مع أحد الشباب دفعتني للهوس بالتجميل ولتحويل راتبي الضئيل الى شراء الألبسة وأفخم أنواع الماكياجات والعطور. ازداد هوسي بمظهري الخارجي كلما وجدت زياد يزداد تأنقاً وتحاول الأخريات جذبه، وحرصت في كل لقاء معه على الاستماع الى رأيه بما ألبس وما أضع من مكياج وعطور. وبالدرجة ذاتها كنت أسعى لتلافي أي إشارة أو تلميح لأي شيء استخدمه ولا يرضيه، إلى هذه الدرجة وصل تعلقي بزياد. عندما أتحدث عن هذا الأمر يبدو الموضوع مختلفاً، الآن أجد نفسي بعيدة من ذلك التأثير والطغيان الكبير في شخصيته وآرائه علي. حتى اللحظة ما زلت أذكر تماماً تعليقه على شكل أنفي الذي يمكن أن يصبح "كأنف الفرنسيات" إذا أجريت له جراحة لدى طبيب "شاطر"... في البدء أزعجتني الملاحظة "القاسية" وجعلتني أنكفئ وحيدة فترة طويلة، لكن في النهاية وجدت نفسي آخذة برأيه فعلاً فكانت الجراحة بحثاً عن الأنف الفرنسي المحبب. استمرت علاقتي بزياد بعدها على هذا المنوال، ووجدت نفسي في النهاية مجرد تابع أحرق نفسي كي أقدم مظهري وشكلي بالصورة التي يحب، والأسوأ من ذلك أن علاقتنا لم تتطور باتجاه الارتباط الرسمي بل على العكس اكتشفت رويداً رويداً أن صداقاته مع الأخريات لا تقل أهمية لديه عن علاقته بي فكان الانفصال والابتعاد من دون أسف. الآن أنظر إلى أنفي بكره شديد ربما لأنني لم أكن راغبة أساساً في إجراء أي جراحة له، وبالتأكيد لأنه يذكرني بفترة ضياع في حياتي أحاول نسيانها من دون جدوى. نسرين 26 عاماً