على رغم المحاولات الحثيثة التي تقوم بها المؤسسة العامة للسينما في سورية في السنوات الاخيرة، لإحياء الطقس السينمائي، وإعادة الجمهور الى الصالات، الا انها لم تفلح حتى الآن في ترك اي أثر. فما يقام من مهرجانات وتظاهرات سينمائية مهرجان الأفلام الفرنكوفونية - مهرجان الأفلام الأوروبية - روائع الأفلام...، ليس الا معالجة سطحية لمشكلات عدت معروفة للجميع، من دون اي فعل حقيقي لتغييرها. والأسئلة تطرح عن عدم نجاح هذه النشاطات، فهل يعود السبب الى افتقادنا دور عرض مجهزة للجمهور؟ ام الى قِدم الافلام المعروضة وتوافرها على أشرطة الفيديو وCD؟ أم الى عدم وضوح الترجمة معظم الاحيان؟ أم لسوء التنسيق في اختيار الافلام وتوقيت العرض؟ أم لعدم توافر دعاية تتيح المعرفة للجمهور...؟ أم الى كل تلك الاسباب مجتمعة؟ سينما الهواء الطلق ربما كان "مهرجان المحبة" في دورته الخامسة عشرة في اللاذقية، آخر مهرجان ضم تظاهرة سينمائية، كما اختير ملعب التنس الرئيس في المدينة الرياضية ليكون مكاناً للعرض شبيهاً بسينما الهواء الطلق التي طالما انتشرت بطقوسها المختلفة في الماضي، ففي المدن الساحلية مثلاً، يمكن ان يدخل الناس الصالة بألبسة السباحة، بينما يدفع بعضهم سمكة ثمناً للبطاقة... لكن هذه المظاهر الاحتفالية تلاشت، وغاب الجمهور السينمائي المألوف. مثل هذه المهرجانات حاولت احياء الجو الاحتفالي، وضم الكثير من الفاعليات الثقافية شعر، أدب، فن تشكيلي، مسرح، سينما... إلا ان الفاعليات الرياضية والفنية المرتبطة بالحفلات الغنائية كان لها نصيب أوفر من الاهتمام، حتى من الجهات والمؤسسات المعنية. اذ نلاحظ فيه مواكبتها لاحدث الأغاني، وجلب أحدث النجوم في عالم الغناء اليوم. لكن ماذا عن أحدث الافلام، هل عرفت طريقها يوماً الى تظاهراتنا السينمائية؟ ما عرض في المهرجان كان لافتاً للنظر "الآخرون"، "تراب الغرباء"، "الشيطان الجريء"، "الغول شريك" رسوم متحركة، "قلب جريء"، "شبح اللوفر"، "لما حكيت مريم"، "أناستازيا" رسوم متحركة، "تدبير مزعج"، و"أحدهم والدي". وما نلاحظة اولاً هو عدم وجود أي رابط يجمع بين الافلام، والخيار كان من كل بستان زهرة، على رغم ما كتب في ملف الدعاية ضمن كلمة المؤسسة: "حرصنا في انتقاء افلام هذه التظاهرة ان نقدم عوالم طيبة لأناس يبحثون عن الخير ويناضلون من اجل ان ينتصر في معركته مع الشر. وليس المهم هنا نتيجة المعركة، وإنما المهم هو عدم الوقوف بصمت وبلا حراك امام الشر". فهل كان الدافع واضحاً؟ وهل عبّر عن تنوّع كما يقولون؟ وهل تنوع الجمهور وتفاوت ذوقه يفرضان عرض افلام الرسوم المتحركة ضمن البرنامج، وفي توقيت الافلام الاخرى نفسه. وبعدها، مثلاً فيلم "جريء" لمصطفى قمر، ومن ثم "شبح اللوفر"...؟ الا ان حجة تنوّع الجمهور من جميع البلدان في المهرجان، لم تراع حينما اختار افلاماًِ قديمة، معتبراً انها لم تعرض سابقاً في اللاذقية مثل "تراب الغرباء"، او انها لم تعرض تجارياً حتى الآن في الصالات السورية... فهل هذا يجعل منها أفلاماً جديدة لم يسبق لأحد رؤيتها، خصوصاً ان المهرجان ليس لأهالي اللاذقية فحسب بل الجمهور متنوع، وربما أكثر اطلاعاً سينمائياً مما يحسبون؟ حضور لبنان جديد المهرجان والجدير بالذكر هو وجود فيلم لبناني، جال في مهرجانات عدة، وحظي بالعديد من الجوائز "لما حكيت مريم"، الذي مدح وأثني عليه في الجرائد والمجلات... ربما استحق الفيلم كل هذا لملامسته القلب، ولتناوله حالاً انسانية بسيطة، بعيداً من اي تعقيد أو "فذلكة بصرية". لكن هل يجعلنا هذا نغفل عن الكثير من مشكلاته الفنية والتقنية؟ كالتعاطف مع المرأة مثلاً الى درجة إغفال بناء الشخصيات الاخرى كالزوج، اضافة الى وجود شخصيات أحادية الجانب كالأم والحماة...، وبعض المشاهد الزائدة والمكرورة كالرقصة الهستيرية لمريم وضربها لزوجها في العرس... كما اننا لم نلاحظ انسجام شكل شخصية "مريم" بحجابها وذهابها الى المشعوذين مع حوارها العميق مع زوجها... لا يعني هذا عدم وجود لعبة فنية جميلة ومؤثرة، واستخدام للرمز ودلالاته وتعاطف واضح مع المرأة واظهار جوانبها النفسية... اضافة الى انه فتح أعين الكثر على وجود سينما لبنانية ومختلفة هي "سينما الانسان" لكن كيف للجمهور ان يرى هذا النتاج ويكتشفه؟ تكريس المكرس لم تستطع مهرجاناتنا حتى اليوم، الخروج من دائرة تكريس المكرس، الى البحث والاكتشاف، الذي من المفترض ان يكون الهدف الأساس للمهرجانات. ما زالت تكرم مخرجين معروفين وتمنح الجوائز وفرص العرض لأفلام كان لها حظ وفير في ذلك. "لما حكيت مريم"، فيلم جديد بالعرض لكنه ليس الفيلم اللبناني الوحيد، اذ لا يجب تناسي اسماء "مهمة في السينما اللبنانية ميشيل عمون، أكرم زعتري، مها حداد، ايلي خليفة، منى مرعي، اليان الراهب، ديمتري خضر، عبدالرحيم العوجي... والكثيرون منهم مستمر حتى اليوم في انجاز افلام تنال الاستحسان والجوائز في مهرجانات عربية وعالمية... من المؤكد عدم وجود اي نية في تجاهل هذه الجهود، لكنه كسل وتقصير في مواكبة الجديد واكتشافه. وأدى تكامل نتاج هذا الجيل مع اهتمام المؤسسات الى استقطاب الجمهور من جديد، فيعاد الطقس السينمائي، لأن للجمهور متعة في اكشاف الجديد الذي نأمل بمشاهدته في مهرجاناتنا الآتية.