"لما حكيت مريم" فيلم لبناني طويل، جال في أكثر من مهرجان للسينما وحصل على عدد من الجوائز آخرها وأبرزها جائزة أفضل ممثلة وجائزة افضل فيلم في مهرجان الاسكندرية الاخير في مصر. وهذا الفيلم يتميز عن معظم الأفلام اللبنانية الأخرى باعتماده على قصة شيقة مقتبسة عن قصة حقيقية حدثت بالفعل في جنوبلبنان. وهي حكاية اجتماعية تروي مأساة زوجين متحابين انفصلا نتيجة ضغوط المجتمع والأهل لعدم تمكن الزوجة من الانجاب بعد فترة من الزواج. وبعد النجاح الذي حصده الفيلم في مختلف المهرجانات، ها هو لبنان يرشحه لجائزة الأوسكار في حال توافرت بعض الشروط، ابرزها عرض الفيلم في الصالات اللبنانية قبل السنة الجديدة. "الحياة" التقت مخرج الفيلم اسد فولادكار وحاورته حول الفيلم ومشاريعه المستقبلية. شارك "لما حكيت مريم" في 28 مهرجاناً الى اليوم وحصل على عدد مهم من الجوائز، اي جائزة عنت لك اكثر من غيرها؟ - جائزة افضل فيلم في الاسكندرية عنت لي الكثير. نال الفيلم جوائز في فرنسا وأميركا لكن في مصر للأمور نكهة مختلفة ولا أنسى مثلاً استقبال النقاد لي، اذ "دللوني" كثيراً. اكثر من ذلك كانت فرحتي كبيرة باستطاعة فيلم لبناني ان يصل الى مصر. ففي اليوم التالي من المهرجان عنونت احدى الصحف المصرية: لبنان يفوز بجائزة افضل فيلم. فكان النجاح للبنان وليس لي وحدي. بدايات قبل "لما حكيت مريم" كانت هناك قلة سمعت بأسد فولادكار، ماذا عن بداياتك؟ - لقد درست المسرح في لبنان اولاً لأنه لم يكن هناك وجود للسينما، مع ان حبي الاكبر هو للسينما، بعد ذلك انتقلت الى اميركا حيث درست السينما في جامعة بوسطن ونلت الماجستير وكان حلمي ان ادرس السينما على رغم رفض الاهل وبقوة. في تلك الفترة قمت بتحقيق افلام قصيرة احدها فيلم "كيرياليسون" الذي عرض في مهرجانات عدة في العالم. اما في العالم العربي فلم يعرض ابداً. اذ كنت في حينه اعيش في الولاياتالمتحدة وكانت الحرب مندلعة في لبنان. فبقي اهتمامي منحصراً في اوروبا وأميركا حيث الفيلم رشح للأوسكار. ثم مضت فترة طويلة قبل ان اقوم بعمل آخر باستثناء بعض الافلام القصيرة وهي افلام سوق. بين "كيرياليسون" و"لما حكيت مريم"، اثنا عشر عاماً من الانتظار، فهل انت نادم اليوم على هذه الفترة الضائعة من مسيرتك المهنية؟ - ابداً، لأن هذه الاوقات هي التي صنعت الفيلم وصنعتني، فمن الطبيعي ان يدفع المرء جزءاً من حياته في امور اخرى، اذ في ذلك الوقت تزوجت وأنجبت الاطفال ومن المفترض ان امامي اليوم سنوات اخرى لأعوض ما فاتني. كيف تصف الوضع السينمائي اليوم في لبنان؟ - شخصياً اراه رائعاً، اذ انهيت تصوير فيلمي الثاني وأنا اعمل في الوقت نفسه على فيلمين آخرين، اما على الصعيد العام فلا يوجد في البلد مكان لتعملي فيه سينما، لذلك عليك ان تخلقي موقعك والظروف المناسبة له وهذا ما فعلته. امكانات وكيف كان ذلك؟ - في الحقيقة، كان في جعبتي سيناريو طويل يلزمه انتاج ضخم ووقت طويل، وبما ان المال غير متوافر رميته جانباً وقلت لنفسي لماذا لا اكتب سيناريو يمكن انتاجه بامكانات ضئيلة وبمكان بسيط بالاعتماد على قلة من الممثلين، فأبصر النور "لما حكيت مريم" الذي يقوم على شخصية واحدة اساسية، هي مريم، ثم يأتي زوجها في المقام الثاني. اما البقية فدورهم بسيط اذ اكتفينا بيومي تصوير لكل شخصية. من هنا كتبت الفيلم على هذا الشكل لكي يُنفذ اذ لم يعد في مقدوري بعد سنوات من الانتظار والرفض ان اصبر اكثر. من هنا جازفت وفتحت باباً مغلقاً اذ شققت طريقاً غير موجودة من قبل اصبح معها الامر اسهل على الآتين من بعدي. للأسف في لبنان لا توجد صناعة سينمائية، فكل واحد يخلق سينما لنفسه، وهذه هي المشكلة، اذ لا توجد طريق خاصة يسلكها الجميع، فمن اتى قبلي شق طريقاً له وحده وأنا بدوري اشق طريقي وحدي. وعلى من تقع المسؤولية؟ - من واجب الدولة ان تفتح الطريق الاساسية، وقد انتظرت طويلاً الى ان قلت لنفسي: "لن تنتهي فترة انتظارك إن لم تأخذ المبادرة بنفسك" وهكذا حصل. ومع هذا انا افهم ألاّ تكون السينما من اهتمامات الدولة لأن هناك اولويات اخرى إلا انني مللت الانتظار. فلم لا نعمل ونهدي افلامنا للدولة؟". ماذا عن الصعوبات التي واجهتك في الفيلم؟ - يمكن اختصار ذلك بالانتاج الضئيل وعامل الوقت. فيما ان الانتاج بسيط، طلبت من الممثلين ان يساهموا معي في الفيلم بعدم قبض اجور عالية تحت شرط عدم حصرهم لوقت طويل. وبالفعل صورنا الفيلم خلال اسبوعين من دون ان يكون هناك مجال للارتجال. فجاء كل شيء كما كان في بالي بالضبط، إلا أن التجربة اتعبتني كثيراً فقررت وقتها ألاّ اقوم بفيلم بهذه الطريقة ابداً. لكنني عدت وفعلتها. فمع الوقت تنسين التعب اما الاشتياق فموجود. كيف تصف علاقتك بالممثلين في الفيلم؟ - في السينما توجد ادوار تشعرين معها بأن الممثل قد يقوم بأي شيء للحصول عليها كدور مارلون براندو في "العرّاب". للأسف لا توجد في لبنان افلام كثيرة، كما انه لا توجد افلام تعطي الممثل حقه فتبرز امكاناته ان كان جيداً. وكنت مدركاً منذ البداية ان شخصية مريم من هذا النوع من الادوار. وأنا سعيد جداً لأنه كان من نصيب برناديت حديب، فهي في الحقيقة ممثلة رائعة جداً تستأهل كل ما حصلت عليه. فمريم لن تُنسى بسهولة لكل من شاهدها. فالدور جميل جداً وكنت صعباً في اختياري لمن يؤديه. الصدق اولاً ولماذا كان اختيار برناديت حديب؟ - المهم هو ان اصدق الممثلة. وفي الحقيقة لم تكن برناديت هي التي ابحث عنها اقله لناحية الشكل. اذ وجدت مريم في ممثلة اخرى امتنعت عن العمل في الفيلم لانشغالها بأمور اخرى، فرحت ابحث عن شبيهة لها فلم اوفق. اذ متى يتوافر الشكل يغيب النضج المطلوب الى ان نصحني احدهم ببرناديت فرفضت على الفور كونها لا تشبه مريم التي رسمتها لنفسي، ثم عدت وأعطيتها فرصة فأقنعتني بتقمصها الشخصية وهكذا تجاوزت معها شكل مريم. في الفيلم تركيز كبير على دور مريم، فهل اهمل اسد فولادكار بقية الممثلين؟ - ليس إهمالاً، فالفيلم هو بالأساس وجهة نظر مريم، اذ نراها في كل الفيلم عدا ثلاثة مشاهد بسيطة. من جهة أخرى لم يكن يوجد اي اهمال وقام كل واحد منهم بدوره على اكمل وجه فكانوا عنصراً مساعداً لشخصية مريم. برأيك ما الذي ادى الى نجاح "لما حكيت مريم"؟ - الفيلم ينطلق من قصة حلوة والناس يبحثون عن القصص التي تشدهم، وهذا ما كنت اراهن عليه فقط لا غير، اذ لم يكن لدي امكانات ابهار اخرى. فالإبهار الوحيد هو في القصة وفي شخصية مريم. هل نفهم من كلامك ان لبنان يفتقر اليوم الى كتّاب السيناريو؟ - لم أقل هذا، فالصناعة السينمائية ليست كلها قصة، إنما بوجود قصة جيدة بالإمكان صنع فيلم جيد. ماذا عن الفيلم الجديد؟ - لقد انهيت تصويره منذ فترة ونحن الآن في مرحلة المونتاج. وهو بعنوان "هيستيريا"، إلا أنني قد اجري بعد التعديلات على الاسم لوجود فيلم مصري يحمل الاسم ذاته. وآمل ان يكون له مجال للنجاح. هل كان "لما حكيت مريم" فرصتك الحقيقية في السينما؟ - كلا، فأنا لم احقق الفيلم الذي احلم به بعد، فهذا فيلم خجول جداً، ولو توافرت الامكانات لقمت بشيء آخر. لكن من جهة اخرى لعلها رسالة لمن من المفترض ان تصل اليه. امثولات كثيرة بامكاننا استخراجها من هذا الفيلم وهو امثولة كبيرة لي وما زلت اتعلم من التجربة.