"صاحب الفخامة، الحاج، الفيلد مارشال، الدكتور عيدي أمين دادا، قاهر الامبراطورية البريطانية في افريقيا، ملك اسكتلندا، رئيس جمهورية اوغندا مدى الحياة، القائد الاعلى للجيش"... صاحب كل هذه الألقاب الرسمية توفي امس عن 78 عاماً بعد مرض طويل ادى الى دخوله في غيبوبة منذ 19 تموز يوليو الماضي. ودفن في جدة. راجع ص 7 ربما كان عيدي أمين الذي حكم أوغندا من 1971 إلى 1979 ونمط حياته قبل توليه الشرئاسة واسلوب تعامله مع شعبه وأسرته وأعضاء حكومته خلال رئاسته، نموذجاً فريداً بين الرؤساء الافارقة. وصفه معارضوه بأنه "جزار افريقيا": في خلال السنوات الثماني من حكمه قتل او فقد بين 300 الف الى 400 ألف اوغندي، وتعرض عدد مماثل للسجن والتعذيب. ومن بين الذين قتلهم وزير في حكومته واسقف ومئات من ضباط الجيش. وكان يتلذذ شخصياً بقطع رؤوس من يتجرأ على معارضته. ويؤكد بعض خصومه انه جلس ذات مرة الى مائدة عشاء دعا اليها عدداً من اصدقائه الذين فوجئوا برأسين لشخصين معروفين لديهم، ووضع كل منهما على المائدة التي جلس إليها الضحيتان قبل بضعة ايام وانتقدا أمين. وتردد كثيراً أنه كان يأكل لحوم البشر، وعندما سئل ذات مرة عن ذلك، أجاب :"أن اللحم البشري كثير الملوحة". تزوج عيدي امين من خمس نساء على الأقل وقتل زوجته الثانية ثم قطع اعضاءها ووضعها في كيس. ثم أمر بإعادة وصل الاعضاء كي يراها أولاده منها. وانجب نحو 43 ولداً. وأحد ابنائه حاجي علي أمين يعيش في اوغندا وترشح العام الماضي لعمدة منطقة نجيرو شرق كمبالا لكنه خسر. ولد عيدي أمين في إحدى القرى الحدودية المتاخمة لجنوب السودان في منطقة عروة لأب مسلم ينتمي الى قبيلة كاكوا وأم مسيحية من قبيلة لوغبارا، وهما قبيلتان سودانيتان في غرب النيل متداخلتان في اراضي البلدين. بدأ حياته العملية مساعد طباخ في الكتيبة الاستعمارية البريطانية المعروفة باسم "بنادق الملك الافريقية"، وحارب مع القوات البريطانية في بورما في الحرب العالمية الثانية. وشارك لاحقاً في عمليات القمع البريطانية ضد الوطنيين الكينيين الماو ماو في نهاية الستينات. وفي اوغندا نفسها ساهم في تشكيل وحدات الخدمة العامة الشرطة السياسية واختار بنفسه الحرس الجمهوري ووصل الى منصب قائد قوات الدفاع الاوغندية في العام 1966. في العام 2000 كشفت وثائق حكومية بريطانية كانت بقيت سرية لفترة 30 سنة، ان صعود عيدي أمين الى السلطة دبرته دول اجنبية لمنع سلفه ميلتون أوبوتي من مواصلة عمليات التأميم الوطنية التي استولت فيها الدولة آنذاك على 60 في المئة من المصالح الاجنبية والشركات التي يملكها أوغنديون من أصل آسيوي. وذكرت إحدى وثائق وزارة الخارجية البريطانية ان "أمين شخص يمكن الاعتماد عليه والتعامل معه". وفي العودة الى تلك الفترة، كان لافتاً اعتراف بريطانيا بنظامه بعد اسبوع واحد من انقلابه العسكري في 25 كانون الثاني يناير 1971. ويعتقد بأن عملية تهيئة أمين للسلطة بدأت من العام 1966 بعد اربع سنوات على استقلال اوغندا في 9 تشرين الاول اكتوبر 1962. لكن الخطط البريطانية لايصاله الى السلطة بالتنسيق مع اسرائيل والولايات المتحدة بدأت فعلياً في العام 1969 عندما اطلق اوبوتي برنامجه للتأميم. ونفذت هذه الخطط خلال وجود اوبوتي في سنغافورة لحضور مؤتمر مجموعة دول الكومنولث. إذ استولى أمين على كل النقاط الاستراتيجية في البلاد في 24 و25 كانون الثاني يناير 1971 وتسلم السطة. والغى أمين كل قرارات التأميم لعدد من الشركات البريطانية. وتلقى مباشرة بعد الانقلاب عشرة ملايين جنيه استرليني معونة اقتصادية اضافة الى 50 سيارة مصفحة ومعدات عسكرية، وأُرسل فريق عسكري لتدريب الجيش الاوغندي. حكم عيدي أمين ثماني سنوات عاش خلالها مواطنوه في جو من الرعب. وفي 1972 طرد نحو 70 الفاً من الاوغنديين المتحدرين من اصول آسيوية، وكانوا يشكلون عصب الاقتصاد. قتل خلال حكمه جيل كامل من المثقفين او فر بعضهم الى المنفى لانهم تجرأوا على طرح اسئلة عن نظامه. وفي نيسان ابريل 1979 سقط "بيغ دادي" الاب الكبير من الحكم على أيدي معارضة اوغندية مسلحة بدعم من الرئيس التنزاني. جوليوس نيريري.