بكثير من الاستخفاف والبعد من المسؤولية تجاه ثقافة شعبنا الفلسطيني، عُقد في القاهرة أخيراً مؤتمر تحت عنوان "المشروع الثقافي الفلسطيني واستراتيجية المستقبل"، بدعوة من المجلس الأعلى للتربية والثقافة ووزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية. وأصدر المؤتمر بياناً ينتمي الى لغة عصور الانحطاط والهزيمة. وقد زعم خمسون كاتباً فلسطينياً وعربياً أنهم يمثلون الثقافة الفلسطينية في الوطن والمنفى، وبعضهم ينتمون الى شريحة أشباه المثقفين، متجاهلين كبار المبدعين والمثقفين والفنانين الفلسطينيين، الذين لم يستشاروا في الأمر، ولم توجه لهم دعوات الى هذا المؤتمر العجيب. واقتصر المؤتمر على مثقفي "التأسرل"، وكتلة مثقفي الحكومات العربية. وتجاهل المؤتمر كل ما يتهدد القضية الفلسطينية راهناً: مؤامرة تصفية قضية اللاجئين وحق العودة، ودور المثقف الفلسطيني في مواجهة الخراب والتدخل الأميركي الفظ الهادف الى شق صفوف شعبنا والدفع به الى كارثة اقتتال داخلي، ودور المثقف العربي في مواجهة الإقليمية والطائفية والمؤامرات العربية الرسمية على فلسطين القضية القومية، وحصار قائد السلطة ياسر عرفات في رام الله. وكل هذا وغيره ينسجم مع الهيمنة "الإسرائيلية" الأميركية الثقافية، واستراتيجيتها لتخريب الثقافة العربية. إن خطورة ما حدث، وما يرمي إليه من قاموا على هذا المؤتمر تدفعنا الى التنبيه الى الحقائق الآتية: أولاً - إن غياب الديموقراطية في المؤسسات الفلسطينية التي نشأت بعد اتفاقيات أوسلو في السلطة الفلسطينية هي أصل الداء، والسبب في الفساد الثقافي، وهدر المال العام لتحقيق مآرب شخصية. ثانياً - الخطير في هذا المؤتمر هو اغتصاب التمثيل الثقافي الفلسطيني، وشق وحدة الحركة الثقافية الفلسطينية، وتجاوز الخطوط الحمر... ونؤكد أن هذا المؤتمر لا يمثل المثقفين الفلسطينيين، ولا يمت الى الثقافة الفلسطينية بصلة. فمن يعقد مؤتمراً يغيب عنه إدوارد سعيد وهشام شرابي وسلمى الخضراء وهارون هاشم رشيد ويوسف الخطيب ومريد البرغوثي وشفيق الحوت واسماعيل شموط وابراهيم هزيمة وعزمي بشارة والدكتور أنيس صايغ وبيان نويهض الحوت وعبدالباري عطوان وبلال الحسن ومحمد القيسي ولم يكن الموت قد اختطفه منّا وباتريك لاما وحسين نازك وعبدالرحمن أبو القاسم وليلى الأطرش ويوسف اليوسف وخيري منصور وعبدالقادر ياسين وناجي علوش ومنير شفيق والدكتور حسام الخطيب وخالد علي مصطفى وحسن حميد ومبدعو غزة والضفة وفلسطين 1948 وغيرهم وغيرهم، لا يمثّل الثقافة الفلسطينية، ولكنه يسرق دوراً، وينتحل صفة هو غير جدير بها. ثالثاً - يستخدم البيان الختامي لغة محنطة تتسم بالازدواجية، تفضحها الهوة الواسعة بين القول والفعل. هي لغة لا صلة لها بلغة المقاومة وفكرها، وروح الانتفاضة، وجوهر الحداثة، والاستشراف الحقيقي للمستقبل، ناهيك عن الجهل بالواقع. .... خامساً - ان الاستقواء بالقاهرة بما تمثّله شعبياً، واختيار تاريخ 23 تموز يوليو لعقد المؤتمر، والتلطي بذكرى ثورة تموز الناصرية من جانب أشخاص لا صلة لهم بهذه الثورة، وما تمثله، يدلل على الانتهازية. وكتّاب مصر ومفكروها ومبدعوها قاطعوا المؤتمر وأهملوه. ولم يزر من قضوا الوقت بالثرثرة مع أسرهم أحد. وهذا يقتضي منا شكر رموز الحركة الثقافية والفنية والفكرية المصرية الذين يعرفون جيداً من هي الحركة الثقافية الفلسطينية، ومن هم رموزها. سادساً - إننا نذكّر بأن الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين مجمد منذ 1987 عن سابق عمد وإصرار. وفي غيبة الاتحاد، والاتحادات الفلسطينية اتحاد الفنانين الفلسطينيين وغيره تتم عملية التزوير والانتحال، ويواصل من أشرفوا على وزارة الثقافة الفلسطينية طوال تسعة أعوام من دون انجازات تذكر، تبديدهم المال والجهد للانتفاع الشخصي المفضوح. وهذا البيان هو نذير لشعبنا ليتنبه الى من يقفزون على حق اللاجئين في العودة الى وطنهم، ومن انتفعوا من الرئيس عرفات كثيراً، ثم لم يشيروا الى أنه "أسير" في رام الله، وليقف عند مخاطر ما يسمى ب"خريطة الطريق"، وتغييب دور المثقف الفلسطيني في تصحيح المسارات الخاطئة الكارثية التي تنتهجها السياسة السيمية الفلسطينية. وهذا البيان تنبيه الى المثقفين والمبدعين العرب ليتنبهوا الى محاولات التزوير التي يقوم به نفر من الكتّاب الفلسطينيين الذين هم التعبير المناسب عن الحال السياسية الرثة، والمنسجمة مع الهجمة الأميركية والصهيونية على وطننا وقضيتنا وأمتنا. عزالدين المناصرة شاعر رشاد أبو شاور روائي