"لست مقتنعة بعملي هذا لكنه أفضل من البقاء في المنزل. لقد تقدمت بطلبات كثيرة الى المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة، ولم أفلح فشهادتي الجامعية إجازة في الجغرافيا ومجال العمل فيها محدود في التدريس. وحتى في هذا المجال لم أتمكن من الحصول على عمل!". هذا ما تقوله ندى التي تعمل مندوبة مبيعات، المهنة التي درجت منذ بداية التسعينات ولاقت إقبالاً من جيل الشباب، خصوصاً الطلاب منهم لكونها مهنة لا تحتاج إلى مؤهلات دراسية عالية. تتابع ندى موضحة طبيعة عملها "أعمل منذ سنتين لدى شركة تجميل، وعملي هو الاتصال بالفتيات لإقناعهن بزيارة مندوبة التجميل لدينا التي تجري جلسة مكياج مجانية للفتاة التي تزورها وتعرض عليها منتجات الشركة في سبيل البيع والترويج. أما بالنسبة الى أسماء الزبائن، فأحصل عليها خلال تلك الزيارات فأطلب الحصول على أسماء أصدقاء أو جيران أو أقارب الفتاة لترتيب مواعيد معهن". لا شك في أن هذه المهنة تحتاج إلى مواصفات اجتماعية معينة أساسها اللباقة والمظهر الحسن والقدرة على الإقناع. وقد يتعرض ممارسها إلى القبول أو الرفض وفي بعض الأحيان إلى تهرب بعض الزبائن. وتتابع ندى "نتعرض أحياناً إلى التعنيف من بعض اللواتي نتصل بهن وإلى سيل من الأسئلة أولها من أين حصلت على اسمي ورقم هاتفي؟ ولا تتاح لي الفرصة للشرح في كثير من الأحيان فأجد نفسي مطالبة بعدم الاتصال بهذا الرقم على الإطلاق وإلا...". اليوم توسع مفهوم المندوبين، فهنالك مندوبو دور النشر ومندوبو الأدوية ومندوبو الإعلانات وهي من النوع الرائج خصوصاً للصحف والمجلات. وغالباً ما تستدرج الصحافيات للقيام بهذه المهمة وهي مهنة مغطاة بالترويج للجهة التي تعمل لها عادة الصحافية وهي في كثير من الأحيان لا تعلم أبعاد المتاعب التي تنتظرها. وقد تصبح هذه المهنة مصيدة للكثير من الشابات الصغيرات، إذ تتقدم إحداهن للعمل وفقاً لإعلان وظيفة منشورة في صحيفة الإعلانات لشغل عمل إداري، فتكتشف بعد المقابلة أن المهنة المطلوبة هي مندوبة مبيعات، عدا عن الاستغلال والابتذال الذي لحق بهذه المهنة من قبل بعض "تجار الشنطة"، واللصوص خصوصاً بعدما درجت عادة مندوبي المبيعات الذين يتوجهون إلى المنازل ما أساء إلى هذه المهنة وجعل عدداً كبيراً من الناس ينظرون إليها بحذر وخشية وخوف أحياناً من أشخاص مجهولين يطرقون الأبواب ليبيعوا بضائع كاسدة أو غير معروفة المصدر مستخدمين لذلك كل طاقاتهم في الثرثرة والإلحاح. ولعل سوء السمعة الذي لحق بهذه المهنة، دفع البعض الى اتجاه مختلف وهو الترويج عبر الهاتف. رانية طالبة في الثانوية العامة تعمل في شركة للدعاية والإعلان تنتج مواد إعلانية أقلام - مفكرات سنوية - ساعات... إلخ. ويتطلب هذا العمل من رانية جمع أكبر عدد ممكن من أرقام هواتف الزبائن وعناوينهم والاتصال بهم لإقناعهم بطباعة إعلانات لشركاتهم ومنتجاتهم. وتقول رانية انها تقوم بإقناعهم عبر الهاتف، وتقول: "في حال تمت الموافقة يتم إرسال مندوب خاص بشركتنا للتفاهم معهم". وطبعاً لا تتوقف هذه المهنة عند سلعة معينة بل دخل الإنترنت في هذا المجال وأصبح هناك مندوبو إعلان لإدراج مواقع خاصة بمصنع معين أو محل تجاري على الشبكة. دينا طالبة ثانوية عامة يتعين عليها الاتصال بأصحاب الفعاليات التجارية لاطلاعهم على فكرة إدراج موقع لهم على الإنترنت وترتيب موعد معهم، وتؤكد "تنتهي مهمتي هنا لتبدأ مهمة صاحب العمل الذي يذهب لمقابلتهم فمعرفتي في مجال الكومبيوتر والانترنت محدودة". الاستسهال وعدم الحاجة لمؤهلات كثيرة لا تكون دائماً السبب الرئيسي لاتجاه الشباب الى هذا العمل، فغياب الفرص الحقيقية، يبقى دائماً الدافع الأهم لقبول الشباب العاطل عن العمل بأي فرصة مهما كانت الشروط. ويقول ماهر وهو مجاز في اللغة الفرنسية: "عملت لمدة ثلاثة أشهر في زيارة أصحاب شركات وتوزيع نشرة تدعو للمشاركة في أحد المعارض. وانتهى هذا مع انتهاء فترة المعرض". وعلى رغم الإقبال على هذه الاعمال لا تزال الشابات يجدن حرجاً كبيراً فيها، وتقول لينا الحائزة على إجازة في اللغة الإنكليزية منذ سنتين: "لم أوفق حتى الآن بالحصول على عمل مناسب، كما أني أجد صعوبة في العمل كمندوبة مبيعات، على رغم الفرص الكثيرة الذي توافرت لي في هذا المجال، فليس لدي الجرأة الكافية والقدرة على التحمل والمقدرات الكلامية بغض النظر عن نوع السلعة التي سأروجها". وعلى رغم وجود أقسام للمبيعات في عدد كبير من الشركات اليوم، وهي أقسام مكلفة بإعداد بيانات عما يحققه العاملون فيها من ربح وفائدة للجهات التي يعملون لديها، بالاعتماد على تقارير شهرية وسنوية عن حجم المبيعات التي يحققونها وعن متطلبات السوق، هذا عدا إخضاعهم لدورات تدريبية، إلا أنه لا يوجد للآن ما يحكم هذه المهنة ولا حقوق لممارسيها، وفي كثير من الأحيان تدخل على طبيعة العمل، طبائع أخرى لها علاقة بالاستغلال أو "السلبطة" كأن يشغل البعض شباباً بلا أجر. يقول سمير خريج معهد تجاري: "تقدمت بطلب لمهنة مندوب مبيعات تلبية لإعلان قرأته في الجريدة. طبعاً وافق صاحب العمل لكنه اشترط فترة تدريب تمتد لثلاثة أشهر تكون بمثابة اختبار لقدرتي على العمل وهي غير مأجورة قبلت هذا الأمر بل اعتبرته فرصة للتدريب وعملت لهذه الشركة لمدة ثلاثة أشهر كنت أدفع أجور المواصلات إضافة إلى ما تتطلبه هذه المهنة من المظهر المناسب وبعد انتهاء المدة اعتذر مني صاحب العمل وادعى أنني لم أحقق المطلوب مني! طبعاً لم استطع فعل شئ فليس هنالك عقد أو حتى إثبات قانوني لعملي معه". قد يطول شيء الكلام وتختلف التجارب والحالات ولكن تغير مفهوم العمل في العقود الأخيرة إضافة إلى غياب فرص العمل، والواقع الاقتصادي المتردي، ساهم في ابتكار مهن مستجدة على مجتمعاتنا وعاداتنا وتقاليدنا، ما جعل مواقف الناس متعارضة من تلك المهن ومن بينها "مندوب المبيعات". فهناك من يراها أشبه بالتسول، وآخر يعتقد فيها "غلاظة" وتطفل لا يليق بشاباتنا وشبابنا، وهناك آخرون يرون فيها مهنة تتطلب الكثير من المميزات والمؤهلات الشخصية الاستثنائية كالأناقة واللباقة والدماثة، والقدرة على الإقناع، وايضاً القدرة على بناء علاقات مع الآخر. وتؤكد تجربة سمر وجهة النظر القائلة بانها مهنة استثنائية لأشخاص استثنائيين. سمر حاصلة على إجازة في الكيمياء وتتحدث عن مهنتها بإعجاب ورضى لافتين: "أعمل في هذا المجال منذ ست سنوات ولا أنظر بانتقاص إلى مهنتي بل على العكس لا أتصور أنني سأكون ناجحة في مجال آخر، فأنا أعمل مندوبة مبيعات في شركة أدوية، والمحيط الذي أتحرك فيه هو المستشفيات وعيادات الأطباء وهي أجواء راقية. قد تكون تجربتي مختلفة بسبب الشركة التي أعمل لديها وعملنا لا يعتمد على نسبة فقط بل هنالك أجر شهري ثابت إضافة إلى النسبة على المبيعات، أننا نتقدم بتقارير شهرية عن عملنا إلى مدير قسم المبيعات والأفكار التي نطرحها في مجال تسيير العمل وتطويره تعرض للنقاش والقبول في كثير من الأحيان. اعتقد أن التسويق علم وعالم يستحق الخوض فيه، على نقيض ما يراه مجتمعنا الذي يتعامل مع ظواهر الأمور لا بواطنها، وبالتالي يعمم أحكامه الجاهزة على كل شيء".