قضت ابتسام، مندوبة إحدى شركات التجميل، وقتاً طويلاً محاولة اقناع صاحبة المنزل بشراء بعض المستحضرات منها، بلا نتيجة، وقالت: "ما ان عرفت اني أبيع منظفاً للبيت وبسعر أرخص حتى بدلت رأيها وآثرت شراء المنظف… في هذه المنطقة تفضل النساء بيوتهن على أنفسهن". تعمل ابتسام في منطقة شعبية عكس ثريا الداعوق التي لا تنفي وجود صعوبة في اقناع السيدات: "في البداية ترفضن الفكرة، لكن عندما أشرح لهن ميزات المستحضر الذي أبيعه تغيرن رأيهن". تعتمد شركات التجميل على مندوباتهن في شكل كبير، سواء للتعريف بالمستحضر وكيفية استعماله أو لشرح مزاياه بهدف الإقناع بشرائه. وهن تتواجدن في معظم محلات التجميل والعطورات، باستثناء شركتين تعتمدان على المندوبات المتجولات في البيوت. والملاحظ أن المندوبات الثابتات خريجات معاهد التجميل في حين تكتفي الشركة التي تتعامل مع مندوبة متجولة بإجراء دورة صغيرة لها تعرفها خلالها إلى المستحضر وخصائصه. تخبرنا ثريا عن طريقة انضمامها الى الشركة: "في كل منطقة توجد مندوبة مسؤولة، تبحث عن مندوبات للعمل. جاءت مرة الى محل الثياب الذي أعمل فيه وعرضت الأمر على زميلاتي فأعجبتني الفكرة". تضيف ابتسام: "يقولون لنا في الشركة أن لا نذهب إلا الى البيوت التي نعرفها، ومن بيت الى آخر نتعرف الى الزبائن، هكذا نصل حتى الى السيدات اللواتي لا تستعملن الماكياج، تعجبهن الفكرة لأنهن سيجربن من دون عناء البحث والتفتيش وحتى السؤال، نحن نشرح لهن كل شيء. وتعتبر ثريا أن بيعها المستحضر في البيوت ميزة إيجابية لأنها تستطيع إقناع السيدة أن أحداً لم يستعمل المستحضر قبلها، وتكمن المهارة في إقناعها بشراء أشياء لا تريدها: "الماكياج هو ما يلفت نظر زبوناتي في البداية، لكن بعد أن أشرح لهن أن الكريم يرطب ويحمي ويمنع ظهور التجاعيد في وقت مبكر تغيرن رأيهن. الأهم في المهنة معرفة الإجابة على كل الأسئلة التي تطرحها الزبونة". تؤكد المندوبات المتواجدات في محل العطورات هذا الأمر، فتقول سلام شميس: "تسأل السيدة عن كل شيء، خصوصاً بالنسبة للكريم وان كان يسبب حساسية لها. لهذا نحن لا نصف لها الكريم إلا بعد معرفة نوع بشرتها سواء باللمس أو عبر سؤالها كيف تكون بشرتها صباحاً ساعة استيقاظها. لأن البشرة تتنفس بطريقة صحية أكثر خلال الليل...". زميلتها منال يونس، مندوبة مستحضر آخر، توافقها الرأي: "السؤال الأول الذي تطرحه السيدة عن الحساسية ثم السعر، كما تطلب ارشادات ونصائح لا نبخل بها". ومن هذه النصائح الراحة، النوم، شرب الماء، عدم التدخين واستعمال الكريم بانتظام، وعدم خلط كريم النهار بكريم المساء. تقول سلام ضاحكة: "أهم شيء هو أن تستعمل السيدة الكريم الذي تشتريه، ما يحصل هو أنها تمل من استعماله، وعندها لا نستطيع أن نفيدها بشيء". تضيف ثريا نصيحة أخرى هي الانتباه لما تقوله المندوبة: "أشرح لهن طويلاً أنه يجب وضع الحليب قبل المنعش على الوجه، ما يحصل أنهن تفعلن العكس فتظهر بقع حمراء على الوجه". لا تواجه المندوبات الثابتات مشكلة إقناع الزبونة بمستحضر معين، كما هو الحال مع المندوبة المتجولة، لكن وجود أكثر من مندوبة لأكثر من مستحضر يخلق نوعاً من التنافس، تخبرنا عنه منال: "السيدة التي تأتي الى المحل تعرف الماركة التي تريدها، وفي حال كانت مترددة فالمندوبة التي تستقبلها في البداية هي التي تكسبها كزبونة". هذا التنافس سببه اعطاء شركة التجميل نسبة على المبيع تبلغ 1 في المئة اضافة الى الراتب الشهري، في حين لا تتقاضى المندوبة المتجولة إلا نسبتها التي تصل الى 25 في المئة. الأمر يختلف بالنسبة الى المستحضرات الطبية التي لا تباع إلا في الصيدليات. تخبرنا إحدى المندوبات أنها لا تتقاضى إلا راتبها الشهري: "هكذا لا نعطي الزبونة أكثر من حاجتها"، وهي تعتبر أن مهمتها أسهل لأن نسبة كبيرة من السيدات بتن لا تستعملن إلا المستحضرات الطبية "خصوصاً الطبقة المثقفة، إذ تسألني السيدة حتى عن تركيبة المستحضر، وبعد الاطمئنان تسألني، كباقي السيدات، عن الحساسية ومحاربة التجاعيد". أماعن دورها هي فتقول: "أسأل السيدة عن عمرها ولا أصف الكريم إلا لمن تجاوزت الخامسة والعشرين، خصوصاً أن الفتيات المراهقات تطلبن الكريم، مثل إحدى الفتيات التي لا تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها وتريد مستحضراً بعيد النضارة الى وجهها... هدفي ليس البيع وإلا كنت بعتها واحداً". لا أعمار محددة للسيدات، لكن النسبة الأكبر حسب المندوبات، هن ممن تجاوزن الثلاثين من العمر، وتطلبن في الغالب مستحضرات لحماية البشرة وتنظيفها وترطيبها. اضافة الى نسبة غير قليلة من المراهقات المهتمات بأحمر الشفاه والمرطبات. وتنتمي السيدات الى مختلف الطبقات الاجتماعية، وتختلف طريقة البيع بين فئة واخرى، ففي حين تشتري السيدة الميسورة الحال كل ما تريده دفعة واحدة، تكتفي التي لا تملك الكثير من المال بشراء المستحضر الأكثر لزوماً، وأحياناً يسمح صاحب المحل بتقسيط المبلغ أو تأجيله الى بداية الشهر، حسب علاقته بالزبونة. وتحكي إحدى المندوبات قصة زبونة يعمل زوجها بأجرة يومية لا تكاد تكفي ثمن الطعام وتصر على شراء المستحضرات بوتيرة مستمرة "حارمة أولادها من المصروف لتشتري هذه المستحضرات، أحاول اقناعها بأنها لا تحتاج الى كل ما تشتريه لكنها لا تصدق إلا ما تراه في الإعلانات". الإعلان يوفر الكثير على المندوبة، تقول سلام، اذ "تأتي السيدة أحياناً وهي تحمل المجلة في يدها طالبة المستحضر المعلن عنه"، وتكاد تصدق أن وجهها سيتحول بفعل المستحضرات الى وجه شبيه بفتاة الإعلان. تقول ثريا: "تسألني السيدات بعد شرائهن لمستحضر معين، هل سيجن بي زوجي إذا استعملته؟ أو هل سيأتيني عريس؟ فأقول نعم... هذه الكلمات ترضيهن حتى لو لم تصدقنها".