استطاعت بعثة الأممالمتحدة في العراق الممثلة بمبعوث الأمين العام سيرجيو فييرا دي ميليو والمستشار الوزير اللبناني غسان سلامة تسريع العملية السياسية في العراق لتشكيل "مجلس حكم انتقالي"، سيعلن عنه منتصف تموز يوليو الجاري وستكون صلاحياته تنفيذية، ويفترض ان يضم 20 عضواً من التكنوقراط. وسألت "الحياة" الدكتور غسان سلامة عن عمل بعثة الأممالمتحدة فقال ان العملية السياسية تتسارع على رغم التدهور الأمني، اذ حدثت عمليات متتابعة ضد قوات "التحالف" في الآونة الأخيرة، لكنها لم تؤثر في تطور العملية السياسية. وقبل شهر، عندما وصلت بعثة الأممالمتحدة الى العراق، اكتشفت ان مختلف قطاعات الشعب العراقي تطالب بثلاثة أمور: الأول هو الأمن الذي استتب في بعض المدن خارج بغداد، لكنه لا يزال دون المستوى على الاطلاق في العاصمة، والثاني هو الخدمات الصحية، والثالث اقامة حكومة موقتة وهذا ما ألحت عليه كل الأطراف العراقية. وكل مرجعية سياسية وطنية تتكلم باسم العراقيين. وبما ان قرار مجلس الأمن 1483 يعطينا مسؤولية تسريع بناء مرجعية وطنية للعراقيين بالتفاهم مع ممثلي الشعب العراقي ومع قوى التحالف، فقد بدأنا عملية المساعدة على بلورة ذلك والاسراع فيه. ومنذ اسبوع تقريباً تسارعت الأمور واصبح هناك مشروع شبه مكتمل يتضمن انشاء ما يسميه القرار الدولي 1483 "الإدارة الانتقالية". وشرح سلامة ان الإدارة الانتقالية "ستضم نوعاً من مجلس أعلى كان في البداية مجلساً استشارياً، لكنه تحول الى مجلس سياسي، وأخيراً تحول الى اسم جديد "مجلس الحكم الانتقالي"، وتتم مسيرة اختياره حالياً بالتفاهم مع القوى الفاعلة على الأرض في العراق، ليضم رؤساء الاحزاب المعروفة التي شاركت في السابق في المعارضة، ويضم ايضاً شخصيات مستقلة كانت موجودة في العراق، كما سيضم بطلب من الأممالمتحدة وسلطة "التحالف" عدداً من السيدات. هناك مشاورات حثيثة بدأت قبل ايام لتكوين المجلس نهائياً، ومعظم الاسماء فيه اصبحت متداولة، وقد يعقد اجتماع يوم الاثنين أو الثلثاء في اربيل لبعض المدعوين للمشاركة فيه لأخذ موقف موحد منه، ووضع اللمسات الأخيرة عليه، وقد يُعلن عنه في منتصف الشهر الجاري، ولن يكون مُعيّناً، وانما سينشأ نتيجة "تنادي" مجموعة من 20 الى 25 شخصية عراقية لتشكل معاً هذا المجلس". واكد سلامة ان الأممالمتحدة تعمل كي تكون لهذا المجلس صلاحيات تنفيذية وليست استشارية "فلا سلطة التحالف ولا الاممالمتحدة ستتدخلان في عملية اختيار رئيس المجلس. هناك حالياً عدد من الصيغ للرئاسة انشاء تناوب او رئاسة سن او تناوب ومن ضمن ترويكا او تناوب شهري او فصلي مثلاً، لكن الرئاسة لن تكون بمعنى رئاسي للبلاد وانما بمعنى المداورة ضمن مجموعة صغيرة لادارة الجلسات. وبعد تشكيل المجلس في منتصف الشهر الجاري سيقدم المجلس على تعيين 20 وزيراً تكون لديهم كفاءة تكنوقراطية ونزاهة لتولي مختلف الوزارات". وتابع سلامة: "ان مجلس الحكم الانتقالي والوزراء الانتقاليين "سيشكلون مؤسستي ادارة انتقالية وفقاً للقرار 1483، وسيعيّن المجلس لجاناً، بينها لجنة تحضيرية لدرس كيفية التوصل الى دستور دائم ولجنة اخرى ستسمى لجنة الخبراء الاقتصاديين لنهوض الاقتصاد العراقي وايضاً الاشراف على عمل مختلف الادارة العامة خلال الفترة الانتقالية. وفي هذا الوقت سيعمل مجلس الحكم الانتقالي بالتعاون مع الاممالمتحدة لاجراء احصاء للشعب وايضاً لإعداد لوائح انتخابية، وهذا يتطلب في رأينا حوالى سنة. وبعد ذلك سيكون هناك انتقال الى المؤسسة ذات الطابع الدائم وأملنا الا تدوم الفترة الانتقالية اكثر من خريف 2004، ويكون لدينا في هذا الوقت دستور دائم". وعما اذا كانت قوى التحالف توفر حرية العمل لبعثة الاممالمتحدة، قال سلامة: "القرار 1483 غير واضح تماماً في توضيح المسؤوليات، طبعاً هو يشرع الاحتلال ويعتبر ان القوات التي خاضت الحرب هي في حال قوى احتلال مع ما يقتضي ذلك من مسؤوليات، لكن القرار اعطى لبعثة الاممالمتحدة مسؤوليتين كبيرتين، الاولى لا يناقشنا فيها احد وهي اجراء تعديل جذري في دور الاممالمتحدة في العراق لأنه في 21 تشرين الثاني نوفمبر المقبل تتوقف العملية الاساسية التي تقوم بها الاممالمتحدة في العراق في اطار القرار "النفط مقابل الغذاء" وبالتالي فإن كل وكالات الاممالمتحدة العاملة في العراق من البنك الدولي الى صندوق النقد الدولي الى برنامج الاممالمتحدة للتنمية الى يونيسف، ينبغي اعادة صوغ دورها لمواكبة المرحلة الجديدة في العراق من دون قرار "النفط مقابل الغذاء". ولكن من ضمن العلاقات الطبيعية التي تعقدها هذه المؤسسات الدولية مع اي دولة عادية. لدينا إذاً فترة خمسة شهور لتطبيع علاقة وكالات الاممالمتحدة كلها مع العراق. والمهمة الثانية التي يعطيها القرار لبعثة الاممالمتحدة هي المهمة السياسية التي تركز على تشجيع قيام مرجعية سياسية عراقية وطنية بالتعاون مع ممثلي الشعب العراقي والسلطة، والهدف هنا هو التسريع في المهمة، لأن هناك مطالبة عراقية حقيقية بأن تكون هناك مرجعية وان تكون لها صلاحيات تنفيذية لا صورية. هذه شروط يعتبرها العراقيون اساسية لقبول السلطة الانتقالية التي يجب ان يكون لها اكبر تمثيل لشرائح الشعب العراقي. كان لسلطة التحالف في البداية تحفظ ولكن نحن لا نعبر إلا عن مطالب الشعب. فقد التقينا بكل الأطراف السياسية العراقية وممثلين المجتمع المدني في بغداد والبصرة وأربيل ونحن ذاهبون هذا الاسبوع الى الحلة، اجتمعنا مع كل المراجع الدينية آية الله السيستاني والحكيم والصدر ووجدنا موافقة واسعة على المشاركة. كلهم يريدون السلطة موسعة وذات صلاحيات حقيقية، لذلك جمعنا الأفكار وصرنا نتكلم باسمهم عملياً حتى تيقنت سلطة التحالف بأننا لا نخترع الشروط وانما هي تأتي من كثرة تواصلنا مع الأطراف السياسية وان هناك استماعاً كبيراً لدينا. ومنذ اسبوع نلمس تفهماً اكثر بكثير من السابق للأفكار التي نطرحها". وعن الصيغة الطائفية للمجلس قال سلامة: "بالنسبة الى الوزراء ليست هناك شروط طائفية. الكفاءة والنزاهة هما الشرطان الأساسيان. أما بالنسبة الى مجلس الحكم الانتقالي فهناك أربعة معايير، الأول طائفي ولكن أيضاً في بلد كبير مثل العراق يكون تمثيل المناطق معياراً اساسياً، المعيار الثالث ان يضم المجلس معارضة الخارج وشخصيات في الداخل، والمعيار الرابع هو الانفتاح على المجتمع المدني من خلال تأكيد وجود سيدات وبعض الشخصيات النقابية البارزة في البلاد". وتابع سلامة: "حصل تطور بالاسم وبالصلاحيات، الوزراء سيعينون من جانب المجلس وليس من سلطة التحالف، وايضاً تطور بطريقة صوغ المجلس من التعيين الى "التنادي"، وبالنسبة الى الرئاسة كانت الفكرة ان يترأسها بول بريمر والآن الرئاسة لطرف عراقي. إذن كل هذه الأمور حصل فيها تطور، والسبب انه تبين لسلطة التحال" أن الأممالمتحدة تحاول ان تكون وفية للقرار 1483 من خلال ما تسمعه من الأطراف العراقية ولا يمر يوم الا ونجتمع مع الفصائل العراقية المختلفة". وتوقع سلامة ان يشارك في المجلس رجال دين شيعة الى جانب السياسيين والسيدات. وعما سيكون دور الأممالمتحدة بعد انهاء قرار "النفط مقابل الغذاء" في تشرين الثاني نوفمبر، قال سلامة: "سيتأسس صندوق يكون وريثاً لقرار النفط مقابل الغذاء وسيعود بذلك دور كبير للأمم المتحدة لأن هناك مؤسسات تهتم بهذا الصندوق وهي سلطة التحالف والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والصندوق العربي وستقوم بمراقبة انفاق هذا الصندوق".