لولا الهدنة التي وافقت عليها الفصائل الفلسطينية ما كان رئيس الوزراء محمود عباس ابو مازن يستطيع اقناع الرئيس الاميركي جورج بوش وكبار المسؤولين في ادارته وفي الكونغرس الاميركي بجدية الفلسطينيين في السعي الى تحقيق السلام مع اسرائيل وفقاً ل"خريطة الطريق". ولولا قدرة "ابو مازن" على اقناع الفصائل بضرورة وقف اطلاق النار ولو لفترة ثلاثة اشهر لاعطاء الرباعية الدولية فرصة لتنفيذ "خريطة الطريق" واختبار نيات حكومة نظيره الاسرائيلي ارييل شارون، لكانت الفصائل واصلت الانتفاضة المسلحة والصراع العنيف بما يعنيه ذلك من خسائر لكل من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. لكن نظرة الى الالتزامات التي يفترض ان ينفذها الجانبان بموجب "خريطة الطريق" تكشف ان الجانب الفلسطيني ضمن الامن والهدوء للاسرائيليين في كل مكان، ليس فقط داخل الخط الاخضر وانما ايضاً في المستوطنات اليهودية في قطاع غزةوالضفة الغربية، من دون ان تقدم الحكومة الاسرائيلية للفلسطينيين أي شيء معادل في القيمة او تعد، مجرد وعد، باتخاذ خطوات وفقا لجدول زمني واضح تشكل حافزاً للفلسطينيين على الاستمرار في الهدنة. ويبدو واضحاً ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الذي يلتقي الرئيس بوش اليوم راغب في التحايل على حليفه وخداع الرأي العام الاميركي اكثر مما هو راغب في تحقيق سلام دائم مع الشعب الفلسطيني. اذ كشفت مصادر اسرائيلية امس ان شارون أمر عشية سفره الى واشنطن بارجاء الاحتفال بانهاء المرحلة الاولى من الجدار الفاصل الذي يلتهم مساحات واسعة من اراضي الضفة الغربية، والتي انجز فيها بناء 128 كلم واكمال بناء 21 كلم من "غلاف القدس" الذي يعزل المدينة عن الضفة الغربية الى ما بعد انتهاء زيارته الى الولاياتالمتحدة وذلك لتجنب تأثير اي احتفال من هذا القبيل تأثيراً سلبياً في زيارته على ان تتواصل مراحل البناء الاخرى لتنتهي في موعدها المقرر. وذكرت تلك المصادر ان شارون "طمأن" وزراءه من حزبه "ليكود" الى ان مسار الجدار لن يتغير، رغم قول السفير الاميركي في تل ابيب دان كيرتزر ان واشنطن لا تعترض على الجدار وانما على مساره فقط! ومما يثبت ان الحكومة الاسرائيلية مصرة على اكمال بناء جدار الفصل العنصري هذا الذي اعتبره الرئيس بوش "مشكلة" ان اللجنة المالية في البرلمان الاسرائيلي الكنيست قررت امس تحويل مبلغ 170 مليون دولار لمواصلة بنائه. اعتبر "ابو مازن" في حديث الى "الحياة" ان معيار نجاح زيارته الى واشنطن هو النتائج، وعدّد من بينها اطلاق الاسرى وتجميد الاستيطان وازالة الحواجز ووقف بناء الجدار الفاصل. ولكن اذا رأى الفلسطينيون بدلاً من هذه النتائج إمعاناً في الاعتداء على المسجد الاقصى وتوسيع النشاط الاستيطاني اضافة الى الجدار والتلكؤ في اطلاق الاسرى، فسيسود الاحباط صفوفهم وقد يصبح الوضع "خطيراً"، كما قال "ابو مازن". وخيراً فعل الرجل بشرحه وجهة النظر الفلسطينية للرئيس الاميركي الذي يؤمل ألا يتمكن شارون من التحايل عليه وعلى رؤيته لدولتين، فلسطين الى جانب اسرائيل.