لا شك في ان رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس ابو مازن يواجه اختباراً صعباً سيؤدي فشله فيه الى اضعاف مكانته وتعريض مستقبله السياسي للخطر، وهو امر لم يخفه، بل صرح به، احد القريبين من ابو مازن، وزير اعلامه نبيل عمرو. والاختبار الصعب هذا يتمثل في مدى قدرته على اقناع الرئيس الاميركي جورج بوش وادارته باستجابة مطالب الفلسطينيين العادلة التي يفترض ان تكون جزءاً من الالتزامات الاسرائيلية بموجب "خريطة الطريق"، او لفتات ضرورية منتظرة في اطار السعي لتحقيق تسوية سلمية. وفي مقدم هذه المطالب اطلاق الاسرى والمعتقلين، وضرورة وقف الاستيطان اليهودي في الاراضي الفلسطينية وقفاً فعلياً من دون تحايل، والانسحاب من مدن الضفة الغربية ورفع الحصار عنها وعن الرئيس ياسر عرفات ووقف بناء جدار الفصل العنصري الذي تدعي حكومة ارييل شارون أنه "جدار امني" بينما هو في واقع الامر وسيلة وحشية لتجريد الفلسطينيين من مساحات واسعة من اراضيهم الخصبة. وبوسع ابو مازن ان يشير الى الهدنة المستتبة التي اعلنتها الفصائل الفلسطينية من جانب واحد لمدة ثلاثة اشهر وان في الامكان تمديدها اذا قدمت اسرائيل حوافز باتخاذها خطوات ايجابية مثل اطلاق الاسرى والمعتقلين من دون تمييز او ابطاء وتنفيذ التزاماتها بموجب المرحلة الاولى من "الخريطة". ولكن لا يبدو الى الآن ان حكومة شارون حريصة على انجاح ابو مازن او على تنفيذ "خطة الطريق" بنية حسنة. وقد حاول وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم تصوير الخلاف بين الولاياتالمتحدة واسرائيل على "الجدار الفاصل" بأنها "سوء فهم" من جانب الاميركيين للقصد من "الجدار" نتيجة محاولات من الفلسطينيين "لإيهام" الاميركيين بأن الجدار ضار بمصالحهم ويخلق حقائق جديدة على الارض! وقد سربت مصادر اسرائيلية ان رئيس الحكومة الاسرائيلي ارييل شارون سيبلغ الرئيس بوش نيته مواصلة بناء "الجدار". ان نظرة الى المناورات السياسيةالحالية لحكومة شارون وموقف ادارة بوش منها ترينا ان هذين الطرفين هما اللذان يتعرضان لاختبار يتعلق بمدى حرصهما على تحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة. ذلك ان الفلسطينيين هم منذ عقود ضحايا للاحتلال الاسرائيلي والدعم الاميركي الضخم للدولة العبرية الذي يشجعها على تجاهل قرارات الشرعية الدولية. وقد ساير الرئيس بوش حليفه اليميني المتشدد شارون في مسألة السعي الى "استبدال" القيادة الفلسطينية واتخذه ضيفاً مرحباً به في البيت الابيض واعتبره "رجل سلام". وكال بوش المديح لرئيس الوزراء الفلسطيني معلناً ثقته به وتصميمه على تنفيذ "خريطة الطريق" وصولاً الى قيام فلسطين دولةً الى جانب اسرائيل في العام 2005. لذا فإن شارون وبوش هما اللذان يتحملان المسؤولية عن نجاح خطة السلام الدولية الحالية او فشلها، والمسؤولية عن نجاح او فشل رئيس الوزراء الفلسطيني الذي يعلنان انهما يريدان تعزيز مكانته. واذا ما انتهت الهدنة الحالية فالارجح ان نهايتها ستأتي بسبب تعنت شارون واصراره على انهائها لانه لا يريد الحرية والاستقلال للفلسطينيين، وانما يعمل لاقامة "اسرائيل الكبرى". وينبغي مراقبة تصرفات هذا الرجل بعناية وعدم السماح له بتدمير فرصة تحقيق السلام.