بعد تجارب لافتة في بيروت حيث برز في ثمانينات القرن الماضي ممثلاً وعازفاً، هاجر توفيق فروخ إلى باريس التي بلورت شخصيته الموسيقية واحتضنت ولادته الثانيّة. هكذا صار فروخ أحد أبرز مؤلفي جيله في موسيقى الجاز. لكنّ شهرته الأوروبية لم تفتح أمامه طريق العودة أخيراً بفضل مبادرة بيت الدين.... فحتّى الأمس القريب لم يكن سمع به في لبنان سوى حفنة من المهتمّين والمتابعين والذوّاقة. أصدر فروخ ثلاث اسطوانات هي "علي في برودواي" و"أسرار صغيرة" و"درابزين"، مرسّخاً أكثر فأكثر تجربته في تطوير العلاقة بموسيقى الجاز، ومراجعة القوالب الشرقيّة والموسيقى الشعبيّة... ومتجاوزاً "الكليشيهات" التي باتت تسيطر على هذا النوع من "موسيقى العالم" الضائع بين الجاز والموسيقى الشرقية. ولعلّ اسطوانته الجديدة "درابزين" تعبّر عن هموم هذا المنحى الذي انتقل الى التأليف من العزف وخصوصاً على الساكسوفون الذي كان واحداً من روّاده النادرين في لبنان والعالم العربي، وقد جاءه من الدراسة الأكاديمية والخبرة الشخصية معاً ليضفي على موسيقاه المعزوفة طابعاً خاصاً مشوباً بالنَفَس الشرقي والتقنية العالية والطلاوة الساحرة. ولعلّ مشاركته في بيت الدين ستسلّط الضوء أكثر على أسطوانته الأخيرة التي تقدّم مزيجاً من الروافد الموسيقية، وتحمل اضافات مهمّة... وكثيراً من المتعة. إنها الموسيقى التي تصالح خير مصالحة بين الأصالة والتجريب، الأصالة في ما تعنيه من عودة الى المخزون التراثي والتجريب في ما يعني من بحث عن أفق جديد ولغة جديدة وهويّة جديدة. ولعلّ أفضل ما أنجزه توفيق فرّوخ هو تخطيه مقولة "الجاز الشرقي" مؤسساً لموسيقى حيّة ومتألقة، حديثة وأصيلة، تخاطب الفرد مثلما تخاطب الجماعة وتتوجه الى الجمهور العربي والشرقي مثلما تتوجّه الى الجمهور الغربي وذائقته المختلفة. إنها موسيقى الانفتاح على العصر ولكن انطلاقاً من الإرث الموسيقي العظيم ومن الوعي العميق للمفاهيم الموسيقية والذاكرة والحداثة.