من شاهد السيد عمرو موسى ادرك مقدار الانفعال الذي اعتراه وهو يتحدث عن العراق. وهو أمر يثير الاستغراب حقاً، ويكشف عن رداءة الاداء العربي مرة اخرى. فقبل سنوات لم تستشعر الجامعة العربية حجم الاخطار التي تتهدد العراق في ظل نظام سياسي يتجاهل الرغبة العراقية في الاصلاح، ويصر على الاستمرار بسياسة تتفيه المطالب الشعبية. وقبل اشهر بل ايام من الحرب الاخيرة التي اجتثت أسوأ نظام ديكتاتوري عربي، اعرب العرب عن تضامنهم مع النظام الذي اوصل الامور في العراق الى ما وصلت اليه من تدهور كارثي، ولم يعربوا عن تضامنهم، ولا مرة واحدة، مع الشعب العراقي الذي ذاق الامرين من نظامه السياسي على مدى ثلاثة عقود. ونتذكر الزيارة التي قام بها عمرو موسى الى صدام، قبل الحرب، فتبادلا ابتسامات عريضة اغاظت العراقيين الذين كانوا يكتمون انينهم على مفقوديهم وقتلاهم في المقابر الجماعية. ولم يكلف السيد موسى نفسه عناء التطرق لها، وادانتها في شكل يعكس ما يدعونه من شعارات ومشاعر قومية. أليس الانتماء العروبي حرصاً متبادلاً على قيم الوجود لأي امة؟ فكيف اصبح حرصاً متبادلاً على إدامة وجود الحكام في السلطة؟ الانفعال الحقيقي الذي يجب ان يبديه السيد موسى هو على الوضع العربي الهزيل الذي لم يعد قادراً على مجابهة قيم سلطوية، لا انسانية، استشرت في الوسط العربي، فأسفرت عن الانقلاب على جزء مهم من الهوية في اوساط الشعوب العربية التي وجدت نفسها امام اسئلة كبيرة تتعلق بجدوى التمسك بقحطانيات وعدنانيات لم تمنع الأخ العربي من استباحة دم أخيه بطريقة اكثر وحشية ودموية من ذاك الاجنبي الذي اعتدات المؤسسات الحكومية في الوسط العربي على القول انه مستعمر ومحتل وأجنبي. وصارت الشعوب التي عصفت بها الشعارات القومية والوطنية، بعد رحيل الاستعمار، تحن لأيام الحكم الاجنبي بعد ان وجدت ان الثوريين لم يأتوها بالأمن والخبز والكرامة، على قدر اتيانهم لها بمكائن فرم اجساد ابنائها. هذا الوضع هو الذي يفترض ان يستفز السيد عمرو موسى وغيره من المتحمسين العرب الذين ينظرون للقضية العراقية هذه الايام. فمن المخجل ان تبحث الحكومات العربية عن امتيازات إعمار في العراق متجاهلة مواقفها السابقة في حق الشعب العراقي، ومصرة على تجاهل راهنه الذي يتطلب، على اقل تقدير، عملاً عربياً يكفر عما ارتكبته الجامعة العربية، والاعلام الرسمي العربي، من خطايا وكبائر في حق العراقيين. عباس سرحان