يشهد المجتمع اليمني تغيراً في تركيبته المهنية، إذ باتت النساء اليوم يزاولن أعمالاً كانت بالأمس القريب حكراً على الرجال. وتفيد أحدث الدراسات عن المرأة ان نسبة العائلات التي تعولها المرأة اليمنية تبلغ 7،11 في المئة مقابل 3،88 يعولها الرجال. وتصل نسبة مساهمة المرأة اليمنية في القوة العاملة الى 22 في المئة، 85 في المئة منها من الريف مقابل 15 في المئة من الحضر. يؤدي العامل الاجتماعي والاقتصادي دوراً أساسياً في عمل المرأة على رغم معارضة المجتمع نفسه ورفضه وجود المرأة في السوق من خلال عملية البيع والشراء نتيجة الموروث القبلي. لكن بعض الأسر أرغمت بسبب الظروف الاقتصادية على السماح لبناتها بالعمل للمساعدة في تأمين لقمة العيش علماً ان منهن من دخلن سوق العمل طواعية وحباً في العمل. يقول المثل: "كمن يبيع الماء في حارة السقائين" ويبحث المثل عن جدوى بيع الماء في حارة كل أهلها يبيعون الماء، لكن المرأة اليمنية لم تعترف بهذا المثل فباعت الماء في عقر حارة السقائين، واليمن معروف بأسواقه الخاصة سوق الخضار، الحبوب، اللحوم، الملابس، القات، ... الخ ومن البديهي ان تجد رجالاً فيها، لكن اليمنيات بدأن اتخاذ مواقع لهن في تلك الأسواق ومزاحمة الرجال في عملية البيع، فاذا سألت عن سوق الخضار والفواكه في مذبح تجد من يصحح لك الاسم قائلاً انه سوق الحجه آمنة، والسيدة آمنة العمراني امرأة في الخمسين بدأت حياتها بائعة تجزئة للملابس والحلي على رغم معارضة الأهل، وكانت تتنقل بين القرى لتعرض ما تبيعه على نسائها ثم انتقلت الى تجارة الخضار والفواكه، ومن تجارة التجزئة الى الجملة. وهي تملك اليوم عدداً من الشاحنات المتوسطة الحجم تخدم بعض الأسواق كما انها تبيع الشركات الأجنبية والمؤسسات المحلية ما تحتاج اليه من خضار وفواكه. وتقول الحجة آمنة: "بدأت العمل قبل عشرين سنة وعارضني أهلي ولكنهم تقبلوا الأمر اخيراً بما ان عملي لا يخالف الدين. بدأت بتجارة الملابس والحلي. كنت اشتريها من صنعاء القديمة وأبيعها في الريف، ثم وجدت ان تجارة الخضار والفواكه مربحة أكثر لذا اشتري البرتقال وأبيعه في السوق". وفي سوق شميله تقف روحيه عبدالله 45 عاماً وأمامها سلال البطاطا والطماطم. وهي تعمل في هذا المجال منذ اربع سنوات وتبيع في اليوم الواحد نحو سبع سلال، وتقول: "ليس العمل عيباً وعملي شريف وأنا أسعى لتأمين رزق أولادي". عند مدخل سوق القات في فروه لا تستغرب الزحمة التي قد تشاهدها حول احد الباعة، واذا اقتربت اكثر ترى البائعة فاطمة 33 عاماً وهي امرأة ريفية تعيش في احدى القرى خارج العاصمة صنعاء تقطع مسافة 50 كلم يومياً لتبيع القات في السوق. تقول فاطمة: "أحضر القات معي من قريتي او اشتريه من تجار الجملة هنا وأنا أرملة ولي ولدان أسعى لتربيتهما وقد وجدت هذا العمل مناسباً لي اذ لنا مزرعة قات وشجعني والدي على العمل في هذا الحقل". زهرة في الثامنة والعشرين تحمل شهادة ثانوية. اجبرتها الظروف على بيع القات لتعول والدتها المريضة وشقيقتيها الطالبتين ولتدفع ايجار البيت. تقول زهرة: "ظروفنا صعبة ولم يكن لي خيار سوى العمل. وأحب عملي وكان والدي - رحمه الله - يبيع القات ويأخذني معه الى السوق وأنا صغيرة". وتتابع موضحة: "بعد وفاة والدي حاول أعمامي واخوالي منعي من العمل وضربوني كثيراً ولكن عندما خيرتهم بين تركي عملي او التكفّل بمصاريفنا فضلوا الخيار الأول وانقطعوا عنا". وتقول آمنة الديلمي 16 عاماً: "أعيش مع أمي وشقيقتي ووالدي المقعد في البيت بسبب المرض وقد درست الى الصف الخامس الابتدائي ثم عملت لأساعد أسرتي وأنا أبيع الخبز في السوق منذ ثلاث سنوات وأختي تبيعه في سوق آخر". سامية 23 سنة: "أبيع 30 - 50 قطعة خبز في اليوم وأعيش عند شقيقتي وزوجها بعد ان توفي والدي. وأبيع الخبز لاساعدهما ولأتمكن من شراء حاجياتي الخاصة. وتجلس انتصار 14 عاماً الى جانبها وتقول إن والدها اجبرها على ترك المدرسة وبيع الخبز في السوق حتى تتمكن من مساعدة اسرتها. في الجانب المقابل من سوق باب السباح تجلس العمة ريحانة وأمامها إناء فيه بيض دجاج بلدي وبحسب قولها تبيع في اليوم الواحد نحو 300 بيضة، والى جوارها فاطمة وأمامها خمس قوارير فيها عسل نحل وسمن بلدي كما تبيع الشذاب نبات يستعمله اليمنيون كزينة في المناسبات. التحقت المرأة اليمنية بسوق العمل في وقت مبكر ووصلت الى منصب وزير ولكن في مجتمع ذكوري كالمجتمع اليمني لا يعترف بحق المرأة في العمل لأن ذلك خروج عن المألوف. وربما يعلن دخول المرأة سوق العمل بكثافة بداية مرحلة جديدة يعيد فيها اليمنيون امجاد ماضيهم، فكما كانت هناك الملكة بلقيس ملكة سباء والملكة اروى، يوجد الآن ملكة البرتقال وربما نسمع قريباً عن ملكة الخبز وملكة القات.