اثبت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مرة اخرى نضجه السياسي بموافقته على قيام رئيس وزرائه محمود عباس ابو مازن بزيارة واشنطن لاجراء محادثات مع الرئيس جورج بوش، إذ قدم بذلك المصلحة الوطنية الفلسطينية على أي جهود لضمان ازالة اسرائيل القيود التي تفرضها على حركته والتي تحاصر بها مقره "المقاطعة" في رام الله منذ اكثر من سنة ونصف سنة. وكان "ابو مازن" الزم نفسه طواعية بعدم السفر الى الخارج ما دام الرئيس عرفات محاصراً لكن الرئيس اعفاه الآن من هذا الالتزام، معتبراً ان الزيارة ستكون "حاسمة لمعرفة حدود الدور الاميركي في الضغط على اسرائيل ووضع آلية ملزمة لتنفيذ "خريطة الطريق" ورفع الحصار والاغلاق ام ان مصير هذه الخريطة سيكون مثل سابقاتها تقرير ميتشل وتفاهمات تينيت"، كما نقل عنه مستشاره احمد عبد الرحمن. ويكشف الرئيس عرفات بخطوته هذه بطلان مزاعم رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون بان عرفات يضع العراقيل امام عباس ويحاول افشال عملية السلام وترديد هذه المزاعم في محاولة فاشلة لاقناع زعماء دول اوروبية واجنبية اخرى بقطع الاتصالات مع الرئيس الفلسطيني. والواقع ان شارون لا يريد من عباس شيئاً اكثر مما يريد توريطه، اذا استطاع، في "شن حرب"، كما طالبه في خطاب امام اقطاب الطائفة اليهودية في بريطانيا مساء الثلثاء الماضي، على الفصائل الفلسطينية المسلحة و"تفكيك بنيتها التحتية ونزع سلاحها"، اي توريطه في حرب اهلية اثبت الفلسطينيون المرة تلو المرة انهم لن يسمحوا باندلاعها بينهم. ومن حسن الحظ ان لجنة من حركة "فتح" استطاعت مساء الاثنين الماضي ازالة الخلافات ما بين الرئيس عرفات وابو مازن خصوصاً بشأن مرجعية المفاوضات السياسية والامنية مع اسرائيل وسويت الخلافات على اساس ان "المفاوضات هي من صلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية وان رئيسها ياسر عرفات هو الذي يحدد اللجنة والوفد المفاوض في اي قضية" وان "الرئيس عرفات يشكل اللجنة الامنية التي تشكل مرجعية للموضوع الامني" حسب ما شرح ل"الحياة" رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني احمد قريع ابو علاء وهو احد اعضاء اللجنة الفتحاوية الثلاثية التي سوت الامور بين عرفا وعباس. ان الحكومة الاسرائيلية الحالية من اكثر الحكومات في تاريخ اسرائيل تطرفاً ويمينية واكثرها تعلقاً بالاستيطان في اراضي الفلسطينيين وسرقتها، وهي تضم وزراء يطالبون بنفي الفلسطينيين الى خارج وطنهم التاريخي. ولا يوجد بين القادة الفلسطينيين من يعتقد بامكان التوصل الى تسوية سلمية عادلة مع حكومة شارون الا اذا اخضعت هذه الحكومة لضغط اميركي يحملها على ذلك. ولو لم يكن رئيس الوزراء الفلسطيني مقتنعا بذلك لما قال امام المجلس التشريعي ان حكومة شارون لا تريد لحكومته النجاح. ويدرك عرفات ان الاسابيع المقبلة حاسمة الاهمية بالنسبة الى مصير خطة "خريطة الطريق"، خصوصا وان العطلات الصيفية للمسؤولين الاوروبيين تبدأ في هذه الفترة، ثم تأتي اعياد يهودية في ايلول سبتمبر وبعد ذلك يغرق الرئيس بوش في حملته سعياً للفوز بفترة رئاسة ثانية، ولذلك شدد على ان زيارة ابو مازن لواشنطن ستكون حاسمة لجهة جدية الدور الاميركي.