مجريات الانتخابات النيابية في الأردن ونتائجها قد تبدو نوعاً من التمهيد لعودة قادة حماس إلى الأردن بعدما أبعدوا عام 1999، ويتفق هذا الافتراض مع المسار الذي آلت إليه العملية السياسية الفلسطينية، وتداعيات الاحتلال الأميركي للعراق. وكانت تشكلت بيئة محيطة بالعمل السياسي لحركة حماس في الخارج تشجع على إبعاد قادتها من عمان، لكن هذه الظروف تبدو اليوم تغيرت في الاتجاه المعاكس، وتبدو كأنها تمهد لعودة قادة حماس إلى عمان. فقد كانت الحياة السياسية الأردنية تشهد تغيرا كبيراً نحو الانكفاء إلى الداخل والتخلي عن دور إقليمي في فلسطين، واتفقت هذه الاتجاهات مع مجيء حزب العمل إلى السلطة في إسرائيل، ووقف العمل العسكري لحماس منذ عام 1996 والذي لم يستأنف إلا مع انتفاضة عام 2000 لكن الخريطة السياسية اليوم تسير في وجهة مختلفة، فقد بدأ الأردن يعود إلى المشاركة في الترتيبات النهائية للقضية الفلسطينية كما تبدى في مؤتمري شرم الشيخ والعقبة، واللقاءات المكثفة بين المسؤولين الأردنيين والمسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين والأميركيين. واتجهت حركة حماس إلى وقف العمل العسكري أو "الهدنة" كما يحب قادتها وكّابها القول بعد حوارات مكثفة وطويلة أجريت على مدى شهور، وتغير الموقف السوري بعد الاحتلال الأميركي للعراق على نحو لم يعد يشجع استمرار حماس في العمل العسكري ولا بقاءها في دمشق. وتبدو الطريق اليوم ممهدة لنواب الحركة الإسلامية للتوسط في عودة قادة حماس إلى عمان، وسيكون هذا الإنجاز في قيمته الإعلامية والسياسية كافياً للتغطية على انتهاء العمليات العسكرية في فلسطين، ودمج حركة حماس في الداخل في الحياة السياسية والعامة. وليس من عقبة أمام هذا السيناريو سوى الحكومة الإسرائيلية التي تبدو كأنها لا تريد هدنة ولا وقفاً للعمل العسكري، بل تفضل حالة التوتر والقتل المتبادل والتصفية المستمرة لنشطاء العمل العسكري والسياسي لحركات المقاومة الفلسطينية. والواقع أن عمان كانت تبدو الخيار المفضل لقادة حماس، ولم يكن لجوء القيادة السياسية لحركة حماس إلى دمشق خيارها إلا بعد عام 1999 عندما أوقفت الحكومة الأردنية نشاطها السياسي والإعلامي في عمان على رغم إمكان توسعة عملها في دمشق قبل ذلك، لكنها كانت تؤثر أن تبقى في عمان، وكان عملها في دمشق محدوداً، حتى مستوى تمثيلها كان قبل عام 1999 محدوداً ورمزياً على رغم إمكان أن يكون أكثر من ذلك. وعودة إلى الانتخابات النيابية الأردنية التي أجريت أخيراً فقد أظهرت رغبة رسمية أردنية في دمج الفلسطينيينالأردنيين في المجتمع والدولة أكثر من أي فترة سابقة، وهو إنجاز يبدو تحقيقه صعباً من دون حركة حماس، فقد أظهرت الحركة نفوذاً في الشارع الفلسطينيالأردني وفي الحركة الإسلامية جعلها الرقم الفلسطيني الصعب في الأردن، ومن دونها يحدث فراغ سياسي قيادي في الوسط الفلسطينيالأردني يجعل الحياة النيابية والسياسية تفقد جدواها وأهميتها. وكان مرشحو الحركة الإسلامية في التجمعات الفلسطينية يجولون في الميدان الانتخابي بلا منافسة حقيقية، وأظهرت الحكومة حياداً تاماً وربما تشجيعاً حتى للمتطرفين منهم الذين ينتمون إلى التكفير والهجرة وإن كانوا على قائمة الإخوان المسلمين، وعلى رغم تورطهم في الفساد واختلاس أموال العمل الخيري وتبرعاته على نحو علني مكشوف. وربما يكون الأردن البلد الوحيد الذي ينتخب نواباً يعتقدون بكفر الأنظمة السياسية التي يعملون شركاء فيها، ليس فقط بسبب التسامح السياسي في الأردن ولكن للمعادلة الغريبة التي تجعل التطرف استثماراً ناجحاً يجعل أصحابه ينتخبون حتى في مجالات يفترض نظرياً على الأقل أنهم يرفضونها، وربما احتملت الحكومة ذلك لأجل عيني المشاركة الفلسطينية، ومن يدري؟ فقد انتخب في مخيم البقعة عام 1997 نائب كان ينتمي أيضاً إلى التكفير والهجرة ثم تبين أنه شريك في علاقات مع إسرائيل لم يوافق عليها أحد في الأردن حتى مؤيدو السلام والتسوية السياسية. هكذا فقد استعادت الحركة الإسلامية دورها السياسي الذي بدأته عام 1970 وهو أن تكون الشريك السياسي الفلسطيني للنظام السياسي، وقد تعرض هذا الدور التاريخي لتحولات عندما بدأت الحركة الإسلامية تتجه نحو العمل والإصلاح الوطني منذ عام 1989 ثم قاطعت الانتخابات النيابية عام 1997 من منطلقات وأهداف وطنية. ولكن، يبدو أن محاولة مشاركة الحركة الإسلامية في العمل الوطني كانت قفزة بعيدة ذهبت بأصحابها إلى خارج الملعب في تحالف كان يظن أنه غريب ومتناقض بين الحكومة وحماس والمتشددين والمعتدلين ولصوص المال العام في الحركة الإسلامية، ولم يسمح للحركة الإسلامية بأن تكون حركة وطنية، وفضلها الجميع بمن فيهم الحكومة منبراً لشتم الحكام الجاهليين والكفرة الذين لا يحكمون بما أنزل الله، وشتم معاهدة التسوية والصلح مع اليهود، فقد كان ذلك أجدى للحكومة وأسهل لقادة الحركة الإسلامية من العمل في مجال الحريات ومكافحة الفساد والتنمية والعدالة الاجتماعية والإصلاحات التشريعية. السيناريو يبدو واضحاً وبسيطاً ويذكر بإصرار قادة حماس على العودة إلى عمان عندما كانوا في طهران عام 1999 على رغم مذكرة الاعتقال بحقهم إن عادوا في محاولة لإبقائهم في الخارج وتجنب اعتقالهم، وعلى رغم طلب جماعة الأخوان المسلمين في الأردن منهم عدم العودة. فالرهان الوحيد الذي وضعت قيادة الخارج لحماس نفسها فيه هو العمل السياسي والعام في الأردن من خلال القنوات السياسية والعامة المتاحة للمواطنين، وليس بصفتها منظمة فلسطينية تتخذ من عمان مقراً لها، وهو يعني بالطبع تحويل مسار الحركة الإسلامية الأردنية أو استخدامها في العمل الفلسطيني وتحريك الشارع الفلسطيني في الأردن والأردني إن أمكن وتحول قيادة حماس بالفعل وربما في الشكل أيضاً إلى قادة يقدمون أنفسهم بأنهم قادة الفلسطينيين في الأردن، ويؤيد هذا لاستنتاج أيضاً كتابات وتحليلات لمقربين من حماس يدعون إلى العمل بين الفلسطينيين في الأردن ويروجون له، ويعتقدون أن تركيبة الحركة الإسلامية في الأردن لا تسمح بمسار للعمل سوى الهم الفلسطيني، ونشرت صحيفة "الدستور" في وقت الأزمة مقالاً من دون اسم كاتبه يعيد الأزمة بين حماس والحكومة الأردنية إلى تمدد حماس بين الفلسطينيين في الأردن. والخلاف بين حماس والحكومة ليس حالة دائمة، فقد ترى فيها الحكومة فرصة لاحتواء الحركة الإسلامية وربما تقسيمها وفي هذه الحال فإن تقسيم الحركة يمتلك فرصة كبيرة وأجواء مناسبة وستدعو حاجة قادة حماس إلى الأمن والاستقرار والعمل العلني والعام في الأردن إلى التحالف مع الحكومة، وهو تحالف سيكون موضوعه الشارع الفلسطيني والحركة الإسلامية أيضاً. الخاسر الأكبر في هذا المسار هو حماس في فلسطين حيث ستفقد رصيدها الخارجي أو تخسر منه جزءاً كبيراً، ثم الحركة الإسلامية في الأردن التي ستتعرض للانقسام والاحتواء والصراع الداخلي وخسارة جزء كبير من جمهورها ومؤيديها، ولن تزداد وتيرة العمل المعارض للتسوية ولأوسلو كما يروج قادة حماس وكتابها، بل العكس تماماً فإن العمل الفلسطيني سيتحول نحو مقاعد البرلمان الأردني والبلديات والنقابات والأندية الأردنية، ولن يستطيع هذا المشروع الجديد أن يكون أكثر معارضة للحكومة وللتسوية من الأشكال السياسية التي سبقته، لأن القادة الجدد أكثر حاجة للحكومة، وقد يسعون بأنفسهم إلى التعاون معها. * كاتب أردني.