تصلح الحركة الإسلامية في الأردن مؤشراً لاختبار وقياس الحياة السياسية بعامة في الأردن، وربما يمنح ذلك للتفاعلات والأحداث الجارية في أروقتها أهمية إضافية، ويجعل للاهتمام الإعلامي الواسع محلياً وإقليمياً مبررات منطقية، برغم أنها مؤشرات لا تتعرض كثيراً للنقاش في وسائل الإعلام، والتي تشغل أكثر بأخبار ومجريات الخلافات والأزمات الداخلية في الحركة من دون ملاحظة أنها خلافات وأزمات المجتمع والسياسة في الأردن، وأن الحركة الإسلامية تعكس هذه الأزمات والتفاعلات بقدر كبير من الأمانة. ويمكن ملاحظة تلك العلاقة اللافتة والمترابطة بين البيئة السياسية المحيطة بالأردن والأحداث الإقليمية وبين الحركة الإسلامية إلى درجة تجعل رد ما يجري فيها إلى البيئة السياسية الخارجية أكثر قدرة على تفسير وفهم الأحداث وعلاقاتها. نجحت الحركة الإسلامية أخيراً بعد شهور من الأزمة في عقد اجتماع لمجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي وإجراء انتخابات للأمين العام والمكتب التنفيذي للحزب، وكان سبب هذا التعطيل اشتراط التيار المعتدل في الحركة فك الارتباط بين جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، وقد تم ذلك بالفعل. وهنا ظهرت في الانتخابات ومجرياتها المخاوف والأزمات المحيطة بالحياة السياسية الأردنية والتي ستشهد في المستقبل القريب انتخابات نيابية، بعدما حل البرلمان الأردني المنتخب في 2007، ومن المفارقات أيضاً أن مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين قد حل نفسه بسبب هذه الانتخابات التي عكست مخاوف وأزمة سياسية في الأردن أدت أيضاً إلى حل البرلمان نفسه. الأزمة هي ببساطة التناقضات والمخاوف المتبادلة بين المشروع الأردني والفلسطيني، المخاوف الأردنية من الوطن البديل، أن يكون الأردن وطناً بديلاً ونهائياً للفلسطينيين، والقلق الفلسطيني تجاه حقوق المواطنة المكتسبة في الأردن، وبالطبع وبسبب هذا التداخل فقد كانت القضية الفلسطينية حاضرة دائماً في البعد الداخلي الأردني، وربما ولمواجهة هذه المخاوف أسند الملك عبدالله الثاني بن الحسين رئاسة مجلس الأعيان للأردني من أصل فلسطيني طاهر المصري، وفي الوقت نفسه فقد اختار المعتدلون في الحركة الإسلامية والموصوفون بأنهم أيضاً تيار وطني يعبرون عن المشروع الأردني حمزة منصور الأردني من أصل فلسطيني أميناً عاماً لحزب جبهة العمل الإسلامي، وفي المقابل فقد انتخب المتشددون والموصوفون أيضاً بأنهم التيار المعبر عن المشروع الفلسطيني، رشحوا الأردني محمد الزيود أميناً عاماً، ولكنه لم ينجح. هذا القلق تجاه مصير ومستقبل المشروع الفلسطيني يلقي بظلاله على الحالة السياسية الأردنية والانتخابات النيابية والحزبية، ويعبر عن نفسه بمبادرات ومشروعات وصعود للهويات الفرعية وأحداث بعضها تنزع إلى الاعتدال والوحدة الوطنية، وبعضها ينزع إلى التطرف والتأزيم، ولكنها جميعاً على المستوى الرسمي أو الحزبي أو المجتمعي ذات منشأ واحد، القلق المصاحب لإفلاس التسوية السياسية، وانسداد الأفق أمام الدولة الفلسطينية المستقلة، وصعود اليمين والتطرف الإسرائيلي، والتطرف الإسلامي أيضاً. وفي الصراع التقليدي والطويل بين تيارات الجماعة وأجيالها يمكن بوضوح قياس الحالة الديموقراطية الأردنية بعامة. ففي مرحلة الانسداد السياسي والإعلامي قبل 1989 كان التيار المتشدد في الإخوان المسلمين يحكم قبضته تماماً على الجماعة، ويمنع بقسوة كل محاولات التعبير والنقد بدرجة القسوة الحكومية نفسها التي كانت تسيطر على وسائل الإعلام، وبعد الانفتاح السياسي والانتخابات النيابية التي جرت في عام 1989 صعد التيار المعتدل في الحركة الإسلامية وانحسر التيار المتشدد لدرجة مظنة الاختفاء، ولكن بعد تراجع الديموقراطية الأردنية نفسها عام 1993 بدأ التيار المتشدد يعاود الصعود والتأثير من جديد في الحركة الإسلامية، وبعد إبعاد قيادة حماس من عمان عام 1999 صعد بقوة (وإن كان موجوداً قبل ذلك) تيار في الحركة يوصف بأنه من مؤيدي حركة حماس وأنصارها والعاملين فيها، وصار هذا التيار لاعباً رئيساً ومؤثراً في الحركة لدرجة أنه منح حماس فرصة تسمية الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، والتأثير في الانتخابات النيابية الأردنية، بل والتأثير في انتخابات رئاسة مجلس النواب الأردني! وبدأ التيار المعتدل في الحركة يتشظى ويضعف تبعاً لضعف الديموقراطية وانسداد أفق الحياة السياسية نفسها. فقد قاطعت الحركة الإسلامية الانتخابات النيابية التي جرت في 1997 مؤملة أن تحرك الحياة السياسية أو تلقي حجراً في بركتها، ولكن التيار المعتدل انقسم على نفسه، وانسحب بسبب هذه المقاطعة عدد كبير من قادة الحركة ونوابها، ثم ويا للمفاجأة تغيرت خريطة تحالفات «حماس» مع تيارات الحركة الإسلامية، فبعد خصومة «حماس» مع المتشددين التي اقتربت من العداوة، وعلاقة وثيقة مع المعتدلين، والذين سهلوا لحماس فرص العلاقة مع الحكومة الأردنية، ومكنوا لها في جسم الحركة وبنيتها التنظيمية تحولت الخريطة التنظيمية إلى تحالف حماسوي مع المتشددين في مواجهة المعتدلين. وهكذا فإن ما يجري في صفوف الحركة الإسلامية يمنحنا فرصاً كبيرة لتفسير ما يجري في الحياة السياسية والإقليمية، بل التنبؤ بالمشهد القادم.