يختلف المشهد العمراني في امارة دبي عن غيره من المشاهد العمرانية في مدن منطقة الشرق الاوسط الباقية. ويبدو انه ينفرد ايضاً عن مدن العالم المختلفة، فهو متغير بسرعة ويختلف في صورته الخارجية باستمرار بحيث باتت المدينة المتجددة تأخذ اشكالاً جديدة من التطور في فترات زمنية قصيرة. ويصعب على زوار الامارة، او حتى المقيمين فيها، متابعة التغير العمراني في الامارة ومواكبة المرافق والمدن والمنشآت الجديدة التي تنجز في فترات متتالية، كما يبدو ان بلدية الامارة المعروف عنها النشاط "تكافح" للحاق بالكم الكبير من المنشآت العمرانية والتجارية والسياحية والمشاريع الجديدة التي تم انجازها او تلك التي في طريقها الى الانجاز. وبعد كل طريق تعبده تفكر مرة اخرى بتوسعته وما ان تنجز التوسعة تدرس تنفيذ توسعة اخرى او شق بديل له. وفي الاعوام الثلاثة الماضية اصبحت دبي "مدينة مزدحمة" على غرار مدن العالم الكبرى على رغم شبكة الطرق الحديثة والانفاق والجسور المتعددة التي تملكها واصبحت ظاهرة "ساعة الذروة" ساعات تمتد في عطلة نهاية الاسبوع الى وقت متأخر من الليل، وبدأ المقيمون في دبي او زوارها من داخل دولة الامارات او من خارجها باحتساب وقت اضافي الى مواعيدهم للوصول اليها. دبي، التي يُقدر سكانها بمليون نسمة، اصبحت على غرار المدن الرئيسة في العالم يزداد عددها في النهار وينخفض في الليل فهي مدينة اعمال يزورها عشرات الالاف يومياً سواء للعمل او للتسوق او للسياحة ويصل عدد قاصديها لساعات الى كم كبير فهم لا يقتصرون على المقيمين في دولة الامارات فقط بل يشمل المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي. وخلال ساعة او اكثر يصلون اليها جوا بالرحلات الجوية المكوكية التي تربطها مع دول المنطقة، كما يحتاج الامر الى بضع ساعات للوصول اليها براً من سلطنة عمان او قطر. واضطر المسؤولون في الامارة الساحلية، التي يعرف عنها بأنها المركز الرئيسي للتجارة والاعمال في الشرق الاوسط، في السنوات الاخيرة الى ايجاد وسائل جديدة لمواكبة النمو الاقتصادي المتنامي في الامارة والى التمدد افقيا لاستيعاب المتغيرات الجديدة فاتجهوا جنوباً الى منطقة جبل علي الحرة التي تحتضن القاعدة الصناعية لدبي واقاموا على مقربة منها بمحاذاة البحر مدناً جديدة تجارية وسياحية وخدمية وترفيهية وتم انشاء مدينتي الانترنت والاعلام ومرسى دبي وتلال الامارات وغرين كومنتي ويجري العمل الان على انشاء مركز عالمي للذهب والسلع الثمينية، ولم يقتصر الامر على ذلك فاتجهوا غرباً لاستغلال البحر ببناء جزيرتين اصطناعيتين هما الاكبر في العالم من صنع الانسان.اما الفضاء فكان له نصيب من التوسع فالابراج المرتفعة 50 و60 طابقاً اصبحت مشهداً طبيعياً، وكانت فكرة بناء اطول ناطحة سحاب في العالم ترتفع الى اكثر من 555 متراً. التوجه شرقاً وامام الطلب المتزايد والنمو المتوقع والخطط الاستراتيجية الموضوعة لم يعد جغرافيا امام دبي الا التوجه شرقاً اذ يعمل المسؤولون في دبي وتحت اشراف مباشر ومتابعة مستمرة من ولي عهد الامارة الشيخ محمد بن راشد على بناء مدن جديدة في المنطقة المعروفة بالطريق الدائري ،اذ بالاضافة الى مشروع المرابع العربية الترفيهي السكني الذي بدأ يظهر للعيان يجري الان الاعداد لبناء مدينة متكاملة جديدة بكامل تفاصيلها ومرافقها واخرى "صينية" او ما يعرف في مدن العالم باسم "تشاينا تاون" يُقدر ان تبلغ تكاليف مرافقها الاساسية 800 مليون درهم. تسهيلات التملك للاجانب ويعتقد الكثير من المراقبين ان المشاريع العقارية الجديدة في دبي ستكسب دولة الامارات المزيد من الاهمية الاقتصادية والسياحية على مستوى منطقة الشرق الاوسط، خصوصاً ان تغييراً جوهرياً طرأ في العامين الماضيين على طبيعة الملكية العقارية في الامارات، حيث يسمح لرأس المال الاجنبي بامتلاك اسهم الشركات العقارية المساهمة كما تم سن التشريعات الخاصة بمنح الاجانب امكانية تملك العقارات لسنوات طويلة. وتعطي التشريعات الجديدة في دولة الامارات مواطني دول مجلس التعاون الخليجي الحق في امتلاك العقارات المزمع انشاؤها، في حين تطبق على باقي الجنسيات معطيات خاصة تتسم بتقديم تسهيلات مرنة للغاية في مجال التملك والاستئجار. ويعتبر مصرف الامارات الصناعي ان دولة الامارات رسمت بوضوح خياراتها الخاصة بتنويع مصادر الدخل القومي من خلال تنمية القطاع العقاري ذي السمات السياحية الذي سيحتل اهمية متزايدة في السنوات المقبلة. وتختلف طبيعة المشاريع الجديدة التي يجري تنفيذها الان في الامارة بين فنادق ومجمعات تجارية ومشاريع تعنى بالتطوير العقاري واخرى في القطاع الفندقي، والمنتجعات السياحية، والمجمعات السكنية، والمشاريع الصناعية المتعددة، فيما تشترك تلك المشاريع في انها تأتي في اطار انتقال الامارة الى افاق جديدة تعزز مكانتها الاقليمية كمركز رئيسي للتجارة والتكنولوجيا والخدمات في الشرق الاوسط، مفتخرة بأنها تحتضن أكبر تجمع للشركات الدولية التي تتخذها نقطة انطلاق الى اسواق المنطقة التي تمتد من شبه القارة الهندية الى دول الاتحاد السوفياتي السابق وشمال افريقيا وشرقها. 25 بليون دولار وتُقدر اوساط مصرفية حجم الاستثمار في المشاريع الجديدة التي يجري اقامتها في الامارة، بأكثر من 25 بليون دولار، وهو ما حول دبي التي يبلغ ناتجها المحلي 17 بليون دولار الى احد أكبر ورش العمل في الشرق الاوسط ، مشيرة الى ان المشاريع المذكورة التي يتوقع انجازها في غضون السنوات العشر المقبلة كفيلة بابقاء عجلة النمو الاقتصادي في الامارة تسير بوتيرة جيدة، الامر الذي يعزز حركة اسواقها الداخلية، ويعزز تنافسيتها الاقليمية. ولفتت الاوساط الى ان المشاريع العملاقة التي يجري تنفيذها في الامارة الساحلية المطلة على مياه الخليج، هي في معظمها مشاريع نوعية تنفذ للمرة الاولى في المنطقة، فيما تكمن اهمية تلك المشاريع بأنها منفذة من قبل القطاعين العام والاهلي، مما يعكس التفاعل الكبير بين القطاعين، والتنافس القائم بينهما. ويطرح البعض تساؤلات في شأن مستقبل الوضع العقاري في دبي وحجم المشاريع العملاقة التي يجري تنفيذها، ومدى قدرة الامارة على استيعابها، والمخاوف من امكان اصابة هذا القطاع بنكسة الا ان القائمين على هذه المشاريع يؤكدون ان هذه المخاوف ظهرت في العقدين الماضيين وهي تبرز عند طرح اي فكرة جديدة لكن دبي بموقعها الاستراتيجي في عالم الاعمال والتجارة استوعبت الطفرات التي شهدتها في السنوات الماضية باقتدار من دون ان يؤثر ذلك في وضعها الاقتصادي. ويدلل المتحفظون على هذه المشاريع لجهة العائد الاستثماري الذي انخفض من مستوى 14 في المئة الى عشرة في المئة خلال فترة قصيرة لا تتجاوز ثلاث سنوات ما يترتب عليه ضرورة التريث في طرح المزيد من المشاريع لكن المشجعين للمشاريع الجديدة يعزون الانخفاض الى ضرورات فنية مرتبطة اساساً بانخفاض الفوائد على الودائع الى ادنى مستوياتها منذ 45 عاماً، ما جعل كلفة الاقتراض اقل، الامر الذي ادى الى انخفاض العائد الاستثماري على العقار الذي لا يزال الافضل مقارنة بالقنوات الاستثمارية المنافسة في الاسهم والصناعة وحتى التجارة. ولم تعد المشاريع الجديدة التي تطرحها دبي مرتبطة بشكل اساسي في الجانب العقاري. وخلال السنوات الاربع الماضية تبنت الحكومة حزمة من المشاريع النوعية التي لا تهدف منها تغطية احتياجات السوق الاماراتية فحسب بل اسواق الخليج والمنطقة الكجاورة وبعض الاسواق الدولية، فمدينة دبي للانترنت استقطبت حتى الان ما يزيد على 800 شركة اقليمية ودولية تقدر استثماراتها بأكثر من بليون دولار وكذلك الامر بالنسبة لمدينة الاعلام التي اصبحت تحتضن 44 شبكة تلفزيونية وراديو خليجية ودولية، فيما تم استقطاب ما يزيد على 200 شركة اقليمية ودولية تعنى في المجال الصحي للعمل في مدينة دبي الطبية حتى قبل قيامها المتوقع في النصف الاول من السنة المقبلة. 100 مليون راكب وفي الجهة الاخرى تنفذ الامارة مشروعاً عملاقا على قدر كبير لتوسيع مطارها الدولي وجعله يتعامل مع اكثر من 50 مليون راكب سنوياً في نهاية العقد الجاري، اذ خصصت لتحقيق ذلك 15 بليون درهم اربعة ملايين دولار لانجازه، متوقعة ان يرتفع عدد مستخدمي مطار دبي الى 40 مليون مسافر سنة 2010 بدلا من 30 مليوناً وحوالى70 مليون مسافر سنة 2016 وما يزيد على 100 مليون مسافر ما بين 2020 و 2025، وان يرتفع حجم الشحن الجوي عبر المطار الى 5.3 مليون طن سنة 2016. ويبني القطاع الخاص المحلي مجموعة من المشاريع الخدمية العملاقة خصوصاً في مجال التسوق ويتصدرها مشروع مجموعة "عبدالله الفطيم" الاماراتية التي بدأت الاعمال الانشائية لبناء أكبر مشروع عقاري متعدد الاغراض في الشرق الاوسط يحمل اسم "دبي فيستفال سيتي" يقع على ضفاف خور دبي الشهير على مساحة قدرها 3500 كلم مربع. ويقام المشروع العملاق على مرحلتين بكلفة تصل الى اربعة بلايين دولار منها 1.5 بليون دولار للمرحلة الاولى وهو يعتبر اكبر مشروع من نوعه ينفذه القطاع الخاص في دولة الامارات، اذ سيضم 15 تجمعاً متنوعاً منها منطقة للمكاتب التجارية تضم مباني بارتفاعات متفاوتة، ومنطقة سكنية، وبرج مكتبي وفندقي يرتفع 50 طابقاً، ومنطقة للمعارض وخدمة تجارة التجزئة، بالاضافة الى منشآت خدمية متعددة الاغراض. التجارة وعلى رغم محدودية حجم الامارة الا أن تجارتها الخارجية تصل الى 30 بليون دولار سنوياً، واصبحت تضم اكبر تجمع لوكالات الاعلان في العالم العربي ويعمل فيها ما يزيد على 50 مصرفاً اجنبياً من خلال فروع ومكاتب تمثيلية وتستضيف كبريات الشركات الدولية العاملة في مختلف صنوف التجارة والصناعة الخدمية تستخدمها قاعدة انطلاق لها في الشرق الاوسط وهي تُعرف بالمركز الاقليمي للمعارض اذ تستضيف سنوياً ما يزيد على 100 معرض دولي الي جانب عشرات المؤتمرات الدولية المتخصصة وتفضلها غالبية الشركات لاطلاق جديدها في الاسواق الاقليمية. وتتميز الامارة الساحلية عن غيرها من المراكز التي قد تُشكل منافساً لها بنواح عدة ابرزها عمقها الاستراتيجي اذ تتوسط جغرافياً الامارات المكونة لدولة الامارات التي تملك ثالث اكبر احتياط نفطي في العالم ولديها ثالث اكبر اقتصاد عربي بعد السعودية ومصر بناتج يتجاوز 60 بليون دولار متمتعة باستقرار سياسي واقتصادي وأمني وتطبق اعلى درجات الحرية والانفتاح الاقتصادي. "مشاريع الفيل الابيض" يشار الى ان سعي امارة دبي الى التحول الى مركز دولي للاعمال في المنطقة يعود الي السبعينات عندما نفذ حاكمها الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حزمة من المشاريع الاستراتيجية الهادفة الى استقطاب الشركات الدولية، وكانت تلك المشاريع عملاقة بحيث اطلق البعض عليها "مشاريع الفيل الابيض" وتمثلت انذاك بحوض دبي الجاف لاصلاح السفن العملاقة، ومركز دبي التجاري العالمي، الذي كان في وقته اعلى مبنى في الخليج وتحول فيما بعد ليضم اكبر صالات للمعارض في الشرق الاوسط، ومشروع مصهر الومينيوم دبي الذي ينتج الان قرابة 600 الف طن ويمثل اكبر مصهر منفرد للالومينيوم في العالم، اضافة الى ان المنطقة الحرة في جبل علي باتت الان واحة الاستثمار الاولى للاجانب في المنطقة بوجود ما يزيد على الفي شركة فيها توظف استثمارات تُقدر ببلايين عدة من الدولارات. ولقيت تجربة تأسيس شركة طيران وطنية طيران الامارات نجاحاً كبيراً بنقلها نحو تسعة ملايين راكب عبر اسطول يضم 51 طائرة، فيما يتوقع ان يرتفع حجم اسطولها الى 125 طائرة عملاقة بعد الصفقات التي ابرمتها في العامين الماضيين البالغ قيمتها 26 بليون دولار. وتم انشاء مجموعة واسعة من المرافق السياحية والفندقية التي اقترب عددها الان من 300 فندق تصل طاقتها الاستيعابية الى 30 ألف غرفة. وفي نهاية العقد الماضي، وجدت الامارة ان لغة العصر تغيرت بسرعة مع الثورة التقنية وتغير مفاهيم التخاطب بين القطاعين العام والخاص وتزايد احتياجات المستثمرين فحمل ولي عهد الامارة على عاتقه مهمة هذا التغير واطلق مجموعة من المبادرات الاستراتيجية الهادفة الي جعل دبي مواكبة لما يحدث في عالم الاعمال، واضطر الى القيام بنفسه بجولات مفاجئة على المؤسسات الحكومية في اطار قناعته ان اي مواكبة للمتغيرات الدولية، تتطلب وجود جهاز حكومي صالح قادر على توفير احتياجات القطاع الخاص. وتعتقد الامارة ان بامكانها لعب دور مهم في عالم المال، بعدما كان دورها يقتصر على عالم الاعمال، واطلقت مبادرة جديدة تحتاج الى وقت لاستكمالها تتمثل في بناء مركز دبي المالي العالمي ليصبح مكاناً مناسباً للمؤسسات المالية الدولية للتواجد في المنطقة في محاولة للاستفادة من الفارق الزمني المتباعد في اسواق المال الدولية من طوكيو وهونغ كونغ في الشرق الي لندن ونيويورك في الغرب.