تحت غطاء خطة السلام الدولية المعروفة ب"خريطة الطريق"، تنفذ الحكومة الاسرائيلية مخططين مزدوجين بخطى متسارعة لاستكمال زحفها على ما تبقى من الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لتهويدها، مستخدمة الاساليب ذاتها التي ادت الى قيام دولة اسرائيل على الاراضي المحتلة عام 1948 وهذه المرة في غياب مسمى "الحرب" بمعناها التقليدي. بالتزامن مع بناء "جدار الفصل" الذي تشيده اسرائيل في المناطق الفلسطينية المتاخمة للخط الاخضر بعمق يتراوح بين 150 متراً و16 كيلومترا في عمق الضفة الغربية، بدأ الجيش الاسرائيلي بتنفيذ مخطط استيطاني عسكري جديد يحمل اسم "مخطط النقاط" لا يهدف فقط الى تعزيز اعادة ترسيم الخط الاخضر الذي يفرضه "الجدار الفاصل"، بل والى تهويد هذه المناطق جغرافيا وديموغرافيا لقطع الطريق امام اي تواصل بين القرى الفلسطينية على جانبي الخط الاخضر من جهة والوصل بين المستوطنات اليهودية على طرفي الحدود، تاركاً القرى والمدن الفلسطينية داخل "غيتوهات". وبعد يوم واحد فقط على تدشين وزير الدفاع الاسرائيلي شاؤول موفاز مستوطنة عسكرية اسرائيلية في منطقة وادي عارة جنوب المثلث، كشفت مصادر امنية اسرائيلية عن مصادقة القيادتين العسكرية والسياسية الاسرائيليتين على خطة استيطانية عسكرية جديدة سيبدأ تنفيذ المرحلة الاولى منها في المنطقة الواقعة بين اسرائيل وجنوب الخليل لتستكمل في منطقتي الجليل والمثلث. وذكرت صحيفة "يديعوت احرونوت" ان الهدف من هذه المستوطنات العسكرية التي تشرف وحدة "ناحال" العسكرية بالتعاون مع وزارة الجيش الاسرائيلية و"الهستدروت" الصهيونية على اقامتها هو "ترسيم الحدود عبر اقامة بلدات اسرائيلية ووقف توسع القرى والبلدات الفلسطينية المتاخمة للخط الاخضر باتجاه اسرائيل". الجدار الفاصل وفيما وصلت "خطة النقاط" مرحلة متقدمة من التخطيط في شعبة "الشباب الطلائعيين" في الجيش الاسرائيلي اي وحدة "ناحال" العسكرية، وصلت عملية البناء في "الجدار الفاصل" مرحلة متقدمة في مناطق طولكرم وجنين وسلفيت حيث تقوم اسرائيل بتشييد الجدار من شمال غربي الضفة الغربية الى جنوبها الغربي بمحاذاة الخط الاخضر وعمق الاراضي الفلسطينية في بعض المناطق مثلما الحال في اطراف مستوطنة "أرييل" بمحاذاة طريق القدس - نابلس الرئيسي. وقدمت الحكومة الاسرائيلية اقتراحا اضافيا لبناء جدار ثان لعزل غور الأردن عن الضفة الغربية. وان استمر العمل في الجدار كما هو مقرر له من الحكومة الاسرائيلية والذي يمتد في مرحلته الاولى الى 140 كيلومترا، سيبلغ طوله 360 كيلومترا وفي حال تم بناء الجدار الشرقي سيصل الى 650 كيلومترا. وحسب المخطط، يبلغ طول الجدار ثلاثة اضعاف طول حائط برلين وضعفيه في الارتفاع في المرحلة الاولى من بنائه . جدار سياسي - اقتصادي ويعيش في المناطق الفلسطينية حول الجدار شمال الضفة الغربية 35 الف شخص سيتم عزل 14 الفاً ملخص من 16 قرية في معازل منفصلة بين الجدار والخط الاخضر، فيما سيتم فصل نحو 4000 عائلة عن اراضيها الزراعية لأن منازلها تقع شرق الجدار بينما أراضيها موجودة الى الغرب منه. وحسب احصاءات "الحملة الوطنية الفلسطينية لوقف الجدار العنصري"، تبلغ انتاجية الاراضي المعزولة خلف الجدار، غربه 2200 طن من زيت الزيتون و50 الف طن من الفاكهة واكثر من 100 الف طن من الخضار سنويا، وجميعها مهددة نتيجة الصعوبة التي يواجهها الاهالي في الوصول الى اراضيهم. وخلافا للخرائط الاسرائيلية المعلنة، يخلو مسار الجدار في غالبيته حتى من "البوابات" التي ادعت سلطات الاحتلال انها ستقيمها لتسمح للمزارعين من خلالها بالوصول الى اراضيهم الزراعية. "كارثة" عائلة سعيد عثمان وتعيش عائلة عثمان من قرية الجاروشية في طولكرم منذ شهور مأساة تتواصل فصولها أمام أنظارهم، إذ تحول منزل العائلة الى سجن محاط بالأسلاك الشائكة بعد ان صادرت سلطات الاحتلال الاسرائيلية نحو اربعمائة دونم من ارضهم المزروعة بكروم اللوز والزيتون ودفنت الجرافات الاسرائيلية مساحات واسعة منها فيما حالت الاسلاك الشائكة والمجسات الكهربائية والخنادق العميقة من دون وصول افراد العائلة الى اراضيها. وقال سعيد عثمان 85 عاماً الذي امضى عمره في فلاحة ارضه هو وافراد عائلته انه يشهد على "موت" أرضه امام عينيه من دون ان يستطيع انقاذها. وقال نجله جمال: "ارضنا اصبحت عبارة عن انسان ميت ولكن الميت يدفن بعد ساعات، اما ارضنا فنحن نشاهدها 24 ساعة كل يوم من غرفة النوم ومن المطبخ ومن سطح المنزل... نراها ونبكي عليها، دمروا حياتنا بأكملها". وفقدت مدينة طولكرم وضواحيها اكثر من 47 الف دونم من الارض لبناء الجدار الفاصل حولها مغلقا كل الطرق المؤدية اليها بين حواجز عسكرية وجدران اسمنتية تخنق اي تمدد طبيعي لسكانها وتسلبهم ارضهم الزراعية. ويؤكد المزارع فايز الطنيب الذي حرمته سلطات الاحتلال من فلاحة حقوله الزراعية المتاخمة للجانب الشرقي من الخط الاخضر وحولتها بعد قطع انابيب المياه عنها الى حقول شوك بعد ان كانت "جنة خضراء" ان الهدف من وراء بناء الجدار هو "سرقة المزيد من الارض وتدمير موارد الانتاج الفلسطيني وتركيع الشعب الفلسطيني للقبول بما تعرضه اسرائيل عليه". واضاف وقد اغرورقت عيناه بالدموع "في البداية قالوا انهم سيصادرون 15 مترا والآن حرموني من كل ارضي، 32 دونماً قتلوا ثمارها وقتلوني معها". ويحمل جدار الفصل العنصري الاسرائيلي كما اكد المواطنون بذور انتفاضة فلسطينية جديدة بعد ان صادر حق الفلسطينيين في العيش بكرامة وصار يهدد بهدم منازلهم في بعض المناطق التي سيدوسها مثلما هدم عشرات المحال التجارية في قرية نزلة عيسى في طولكرم. ويساور آلاف الفلسطينيين القلق ازاء سرقة أراضيهم تحت مسميات الأمن الاسرائيلي، فيما تستغل اسرائيل خطط السلام المطروحة لتوفر أطول وقت ممكن لتمرير مخططاتها الحقيقية ضدهم وضد ارضهم، مشيرين الى "التعتيم" الاعلامي والسياسي المرافق لعملية تهويد منطقة بأسرها وترك سكانها بلا هوية او موقع او شرايين تساعدهم في البقاء.