بعد الثورة التي أحدثها الكومبيوتر في أنظمة حياة المجتمعات، ها هي الآلة تحضر لثورة جديدة أو بالأحرى لانقلاب... على الإنسان نفسه! باختصار، هذا هو المستقبل الذي تُعد له الثقافة الخيالية الجديدة، أو ما يسمّى ب "الثقافة الدُنيا"، او ثقافة العالم السفلي، والتي ترتكز بشكل أساسي الى التكنولوجيا من خلال السينما عبرعلم الخيال، أو عبر مواقع الانترنت المعروفة ب"سايبر بانك" Cyperpunk. ويعبر أحد الاختصاصيين في هذه الظاهرة عنها بقوله "سايبر بانك" هو حيث تشهد البشرية أفضل ما في التكنولوجيا وأسوأ ما في الإنسان". اصل الكلمة ومعناها كلمة "سايبر بانك" مؤلفة من كلمتي "سايبر" و"بانك". تُشير الأولى وهي تشتق من "سيبرناتيك" إلى العالم الرقمي ولغته التي تقدر على مخاطبة البشر والآلة. أما "بانك"، فهي حركة فوضوية شبابية، هزّت العالم في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، واشتهرت خصوصاً باحداث الشغب في ملاعب كرة القدم. وتشير الكلمة إلى المشاغب والفاسد بالمعنى الاجتماعي. انه ايضاً الثائر الذي يتوق إلى الحرية ويرفض كل القواعد الاجتماعية، وبالتالي قد يعني مصطلح "سايبر بانك" ثورة الآلة أو الكومبيوتر. أما تكنولوجيا "السايبر بانك" فتهدف الى التمرد على ما ترى انه تعويد للانسان على ان يُفكرمثل الآلات، وكذلك تطوير آلات تفكر مثل الإنسان. وتعبر حركة "سايبر بانك" عن تمرد الافراد على البقاء داخل النظام الذي يتحكم بالجميع والذي زاد من هيمنته استخدام مؤسسات السلطة الكومبيوتر في شكل مطرد. ويفرض التمرد على التكنولوجيا المتطورة المعرفة الوثيقة بها والقدرة المتطورة على استخدامها وتطويعها. ولذا، يكون افراد هذه الحركة من اشد الناس ولعاً بالتطور التكنولوجي الذي يحتجون عليه! انه تناقض "مفروض"، ويقع في القلب من هذه الحركة. اذاً، يمكن القول ان المكونات الأساسية لظاهرة "سايبر بانك" هي مزيج التكنولوجيا والنزعة الفردية. أطلق بروس بيسكي هذا المصطلح كعنوان لرواية له في العام 1983. ولم يتجاوز الامر، حينها، السعي التجاري لجذب دور النشر والقراء. فالقصد من الكلمة الإشارة إلى دمج تصرفات شباب ال"بانك" بالتكنولوجيا المتطورة. وتتحدث رواية بيسكي عن مجموعة من قراصنة الكومبيوتر Hackers المراهقين. والمعلوم ان ظاهرة القرصنة بدأت كاسلوب لاستعراض العضلات التكنولوجية للشباب المتمكنين من علوم الكومبيوتر. اي انهم ايضاً مولعون بالتكنولوجيا الرقمية ويتحدونها في الوقت نفسه، تماماً كحال "سايبر بانك". وهكذا انتشرت الكلمة وباتت تشير بحد ذاتها إلى ظاهرة تتفشى يوماً بعد يوم وبشكل لافت. انه الاسود الشبابي بعد استرجاع تاريخ "السايبر بانك" الروائي، لا بد من استعراض كيفية تجسيد هذه الظاهرة على الكومبيوتر وخصوصاً عبرالانترنت. توحي مواقع هذه الحركة من خلال شكلها بالغرابة والغضب والثورة. تستفز الزائر منذ صفحة الاستقبال. وفي محتواها حث للانسان على الانتفاض على كل ما حوله، وخصوصاً على المسلّمات، ودعوة إلى التحرر من عبودية المجتمع بأشكاله وتجلياته كافة، وإلى أن يعيد الإنسان اكتشاف حقيقته ويسيطر هو بنفسه على نفسه وعلى محيطه. يظهر التشاؤم واضحاً في تلك الكتابات التي تبدو مخيفة كما في أفلام الرعب. وتتميّز جميعها بالخلفية السوداء، وهو اللون الذي يغلب على معظم الصفحات، إشارة إلى روح التمرد والغضب. والاسود هو ايضاً اللون الاكثر شيوعاً بين شبيبة العالم اليوم. فعالم "السايبر بانك" كما يظهر عبر المواقع هو عالم قاتم وفي صراع دائم كما انه لا يبدو أبداً وكأنه عالم حيّ بل كل ما فيه مبرمج وغامض وغريب. وإضافة إلى الأسود، تتلوّن الصفحات بألوان قوية كالأحمرأو الأزرق من أجل إضفاء أجواء أكثر ثورية. وأبرز ما يميّز هذه المواقع هي صورها التي تعتمد المؤثرات الخاصة بشكل مثير جداً. فهي تذكّر بالألعاب الالكترونية الحربية المتطورة أو بالمشاهد السينمائية الخيالية التي تعتمد على مؤثرات خاصة بصرية وسمعية تدهش لتقنيتها العالية جداً. وبالكلام عن السينما، لا بد من الإشارة الى أن "سايبر بانك" انتشرت وتطورت بفضل السينما وخصوصاً بفضل ما يُسمّى "موجة السينما الجديدة". فقد ازدهرت الأفلام الخيالية أو المعروفة ب"الخيال العلمي". وتزايد الاقبال على هذا النوع من الأفلام التي اكتسبت جمهوراً واسعاً خصوصاً في صفوف الشباب والمراهقين قبل Matrix الذي نال رواجاً كبيراً جداً، كان فيلم Johny Mnemonic مع كيانو ريفز بطل فيلم "ماتريكس" و Brazil وغيرها من الأفلام الافتراضية الخيالية. وتعتمد هذه الأفلام على ديكور مديني حزين، تغلب عليه الألوان القاتمة. ويصوّر Matrix استيلاء برنامج كومبيوتر افتراضي ضخم، اسمه "ماتريكس"، على الحضارة الانسانية. ويقرر البشر المواجهة. وغالباً ما تكون رسالة هذه الأفلام هي الكشف عن عالم أكثر واقعية واكثر تشاؤماً. وقد يكون الرواج الذي تلقاه هذه الأفلام وتكاثر عدد المواقع الالكترونية على شبكة الانترنت أخطر ما في هذه الظاهرة. وهي إذ تعبّر عن شيء ما، فهي تعكس حالة اضطراب وأزمة هوية عند شباب اليوم. كارين طربيه