في المجتمعات المعاصرة، لم تعد العوالم الافتراضية مجرد ألعاب، بل أنها «تسرق» الكثير من عالم الواقع وأشيائه وناسه، وربما صارت هي واقعاً أيضاً. ثمة أبعاد كثيرة لهذا التغيّر. ماذا عن الأدب مثلاً؟ هل يصبح الافتراضي محوراً للأدب الغربي، فيمارس تأثيراً أدبياً عالمياً انطلاقاً من الوضع المتألق لهذا الأدب؟ شابلن أولاً ولكن... ثمة لمسة من هذا الأمر، ظهرت في فيلم «آفاتار» Avatar (من إخراج جايمس كاميرون- 2009) الذي أثبت أن سحر السينما لا يتوقف عند مرحلة محددة، لكنه ممتد ومتجدد. فعند الأفلام الأولى للأخوة لوميير، قفز الجمهور هرباً من مشهد دخول قطار الى محطة، لأنه بدا وكأنه يتجه نحوهم. ولم تحل السينما الصامتة دون بروز نجوم مؤثّرين مثل تشارلي شابلن، لكن السينما الناطقة (ثم المُلوّنة) أطلقت جموعاً من النجوم الذين أحسّ الجمهور بأنهم قريبون منه ومتفاعلين معه. ومع «آفاتار» تجاوزت السينما الخيال العلمي المعتاد لتلامس عالماً آخر يبني مشهديات مؤثّرة، بحيث تركت انطباعاً واسعاً بأنها تعبّر عن مستقبل البشر فعلياً. ففي هذا الفيلم، تخيّل كاميرون الحياة في كوكب «باندورا» الذي يعيش عليه شعب ال «نافيه» صاحب البنية العملاقة والجلد الأزرق. يختلف ال»نافي» في تكوينه عن البشر، ويتفاعل مع الطبيعة التي تعطيه الكثير، عكس ما فعله البشر الذين تحدوا الطبيعة وخرّبوها. حقّق الفيلم ما يزيد على بليوني دولار، محطماً أرقاماً قياسية شتى. واستطراداً، تعرّض «آفاتار» لعمليات قرصنة غير مسبوقة في التاريخ، لكنها لم تؤثر عليه، خصوصاً أن الكثير من متعته تأتي من الشاشات الكبيرة في الصالات التي تعرضه باسلوب الأبعاد الثلاثية. وروّج «آفاتار» أيضاً لنظرة وجودية جذابة تعبّر عما يجب أن يكون عليه موقف الإنسان من الطبيعة، عبر نظرة تقدّس البيئة. نصوص ال «ماتريكس» بصورة عامة، تُسهّل أفلام الكرتون الثلاثية الأبعاد والتقنيات المرتبطة بها، إنتاج الأفلام، لأنها تخفف من كلفة صنعها. وتتيح التقنيات الرقمية إمكان مشاركة المتفرّج بصورة تفاعلية في أحداث المواد المرئية - المسموعة، بل تغيير مسارها طبقا لرؤيته. وبذا، لا ينتهي العمل عند رؤية المخرج أو الأديب، بل يعيش مسارات متنوّعة يشارك فيها الجمهور، وربما لا يبقى سوى أكثرها رواجاً. ومع هذه التغيّرات، لا تعود هناك أمكنة مركزية لانتاج هذه المواد، بل ربما أتى أدباء من صحراء نائية وقرى المجهولة، ليتصدّروا مشهد هذه الصناعة وثقافتها. ويفتح هذا الأمر أفقاً للتنافس بين خيالات شتى. في هذه الأجيال التي تتعامل مع العالم الافتراضي وتتعايش معه، ربما انتشرت ظاهرة «التوحّد»، خصوصاً مع انتشار التلفزيون التفاعلي، الذي تندمج فيه تقنيات الترفيه الإلكتروني وأدوات التواصل الشبكية. ربما تأثّرت الثقافة الى حدّ أن النصوص التي تكون موضع التقدير ستكون تلك المرتكزة على الربط بين العيش الفعلي والعوالم الافتراضية، على نحو ما بشّر به النجاح المتواصل لسلسلة أفلام «ماتريكس» Matrix. وللحديث بقية.